المشكل و الإشكالية .
الأستاذ الدكتور تمار يوسف
لا ننوي من خلال هذه العُجالة سرد كل ما يفرق
(أو يقرب) بين المشكل Le problème و الإشكالية La problématique, ذلك كما قلناه لطلابنا هذا الإشكال لا يزيدهم إلى إرتباك و
يبعدهم عن أصول المنهجية التطبيقية التي هم بأمس الحاجة إلى التدريب عليها، و في
التقنيات التطبيقية هي الأخرى، لكن في ذات الوقت لا أحرد على العزوف عن مثل هذه
الإشكاليات المنهجية التي لا زالت غامضة عند الكثير منا، بل بالعكس أشجع على
مناقشتها و التعمق في البحث فيها من طرف الأساتذة و الباحثين في
المنهجية، بشطر أخلاقي و هو عدم تقديم ما هو محل نقاش في قضية المشكل و الإشكالية
لطلابنا على أساس أنها حقيقة علمية و إقصاء كل الآراء الأخرى التي قد تصدر
منها أفكار تنير الطريق لتحديد ما لفرق بين المشكل و الإشكالية؟.
![]() |
المشكل و الإشكالية مالفرق؟ |
المشكل Le problème
هو ما يسبق الإشكالية من تخمينات و تفكير و تأمل و ملاحظ الظواهر و السؤال عن أسباب وقوعها، فهو إذن إجراء أولي يمر إلى العقل عبر الحواس، و يحدد الأطر التي تُرسم على أساسها الإشكالية فيما بعد، وباعتبار أن الظواهر لا تحدث من فراغ و لا في فراغ، فإن العقل البشري لا يمكنه إدراكها دفعة واحدة و لا بالسرعة اللازمة، و عليه فإن التأمل فيها، صفة من صفات التفرقة بين الإنسان و غيره من الكائنات الحية.
ينبع المشكل من الملاحظات و التأملات و التخمينات، التي قد بيديها الباحث حول الظواهر، تترجم هذه التأملات و تلك التخمينان، إلى جملة من التساؤلات تثير إنتباهه، و كلما لم يجد أجوبة مقنعة لتلك التساؤلات، كلما تقدم إلى تحديد الإشكالية التي تُعد في إطار البحوث العلمية، بوابتها و مفتاح تحليلها.
إذن إذا حاولنا تعريف المشكل في إطاره العام، نقول أنه مجمل الهواجس التي تحرك انتباه الباحث عند تعرضه لظاهرة من الظواهر أو حادث من الأحداث، فتخلق لدية مجموعة من الانشغالات و التساؤلات، تشكل في بدايتها طريق معبد للإشكالية.
الإشكالية La problématique
تتأخر الإشكالية عن المشكل و تتبناها بطرق تقنية دقيقة و محددة، بمعنى آخر الإشكالية هي حوصلة تلك التساؤلات و الإنشغالات السابقة و التي لم يجد لها الباحث منطق معين في حدوثها أو في أسباب ظهورها أو حتى في تكوينها، فيبدأ في بناء إشكاليته وفقاً لشروط و معايير منهجية دقيقة و تقنية لتكون صالحة فعلاً كأساس للبحث العلمي، إذن الإشكالية هي محددة من حيث البناء و التركيب و محددة أيضاً من حيث الأهداف و الأبعاد، علاوة على قابليتها للدراسة و التحليل.
من حيث البناء، تتطلب الإشكالية في العادة تواجد علاقة بين متغيرين أو أكثر، لقياس كل منها و طبيعة العلاقة بينها، أحدهما ثابت و الأخرى تابعة، بحيث إذ حدث تغير في التوابع، يحدث بالضرورة تغير في الثابت، و لكن ليس كل الإشكاليات يشترط فيها هذا البناء، لأن هناك بعض الإشكاليات ذات الطابع الوصفي التي تريد التعرف على الظاهرة من كل النواحي، أسباب وجودها تطورها ارتباطها بالظواهر الأخرى، هنا لا داعي من وجوب متغيرات و لا داعي أيضاً من البحث عن طبيعة التفاعل بينها، كما قد نجد بعض الإشكاليات، تبحث في مفهوم مثلاً، مثل الرأي العام، التأثير، التأثر، التفاعل..
أمثلة عن الإشكاليات في ميدان الإعلام و الاتصال
- ماطبيعة القيم التي تحمل الكتب المدرسية للطور الإبتدائي في الجزائر؟
- كيف يعالج التفزيون العمومي الجزائري ظاهرة الهجرة غير الشرعية في برامجه اليومية؟
- ما هي عادات مشاهدة الطفل لبرامجه في التلفزيون الجزائري و طبيعة و أثر ذلك عغلى تنشئته الاجتماعية و الثقافية؟
فيما تختلف الإشكاليات السابقة عن التساؤلات العادية التي قد يطرحها أي فرد أو أي باحث؟
أولاً، هي إشكاليات لا يمكن الإجابة عنها بنعم أو لا، بل تحتاجح إلى دراسة عميق و إجابات متنوعة و دقيقة.
ثانياً الإجابة عن الإشكالية ليست فورية، بل نتجية تفكير عميق و بحث واسع.
ثالثاً تكون الإشكالية قابلة للبحث و لها مخرجات تفسير متغيراتها؟
رابعاً أن مكونات الإشكالية محددة المعاني، فلكل مصطلح فيها دلالته الدقيقة و المفهومة، أو هكذا ينبغي أن تكون.
إذن لا داعي كما قلنا، البحث في التفرقة بين المشكل و الإشكالية بخاصة لدى الطلبة الذين هم مقبلون على إنجاز مذكراتهم للتخرج، فهم مطالبون بتطبيق التقنميات المنهجية التي اكتسبوها و قدرتهم على ذلك، لكن في نفس الوقت لابد لهم أيضاً من معرفتها في إطار كسبهم للمعارف المنهجية أثناء تكوينهم الجامعي.
و الله من وراء القصد