-->
مدونة الأستاذ الدكتور تمار يوسف

استخدام المنهج الإثنوغرافي في الدراسات الإعلامية الاتصالية

إشكالية استخدام المنهج الإثنوغرافي في الدراسات الإعلامية الاتصالية

 الأستاذ الدكتور تمار يوسف

المنهج الإثنوغرافي في الدراسات الاتصالية
المنهج الإثنوغرافي

ملخص.

لا تحظى الدراسات الكيفية Qualitative  بالأخص المنهج الإثنوغرافيEthnographieفي الدراسات الإعلامية الاتصالية عندنا، بشعبية علمية كبيرة و لا ندري صراحة إلى ما يعود ذلك؟، ينبغي فقط الانتباه إلى أهمية هذا النوع من الدراسات و فائدته في الدراسات الإعلامية، هذا المقال لا يريد تقديم درس في منهجية المنهج الإثنوغرافي، بقدر ما يحاول التركز على تقديم البحث الإثنوغرافي كمنهجية تجديدية قادرة على معالجة مشكلات الواقع الإعلامي الاتصالي، وتبيان أهميته في معالجة و دراسة بعض الظواهر منه، خاصة تلك التي لا يكفي مقاربتها كمياً، و لا معالجتها دون التوغل في مكوناتها و معايشة تفاعل عناصرها و النظر في تمظهرها، و من جهة أخرى، تسعى المحاولة إلى ربط الخصائص التقنية للمنهج الإثنوغرافي، بأسباب العزوف عن تطبيقه  على الظواهر الإعلامية الاتصالية عندنا.

الكلمات المفتاحية: البحث الكيفي، المنهج الإثنوغرافي، تقنيات التحليل.

RÉSUMÉ

Cet article analyse et discute des apports méthodologiques de la méthode  ethnographie pour les études consacrées aux sciences de l’information et de la communication. Il essaye de faire une investigation croisé entre les différentes techniques de la méthode ethnographique, et le faible enthousiasme de certains chercheurs quand à la pratique de celle ci dans leur études.

La méthode ethnographique, et très pertinente dans l’investigation de certaine problématiques liée aux phénomènes de l’information et de la communication, surtout avec l’émergence des nouvelles technologies, qui aspirent à des nouvelle approches méthodologiques, pour les cernées, mais ce constat est loin de faire l’unanimité au sain de nos étudiants et chercheurs. Pourquoi ? 

MOTS CLÉS :Etudes qualitative, La méthode ethnographie, techniques d’analyse 

 مقدمة.

يظهر للكثير من المختصين في المنهجية عندنا، أن الدراسات الكيفية بصفة عامة والمنهج الإثنوغرافي بصفة خاصة، لا تحظ بشعبية علمية كبيرة عند الكثير من باحثينا و طلابنا، رغم ما نعرفه عن هذه الدراسات و عن المنهج الإثنوغرافي من قدرتها على إنتاج بيانات غنية و عميقة مقارنة بالمناهج الأخرى، إلى جانب قدرتها أيضاً على توفير فهماً أوسع للعمليات الاجتماعية في مقاربة بعض إشكاليات الإعلام و الاتصال.

إن الملاحظة السابقة، صحيحة إلى حد ما، حيث تعتبر الدراسات الكيفية في الإعلام، الحلقة الضعيفة في توجهات البحوث العلمية الخاصة بهذا الميدان، فلم تتعدى نسبتها 2% من الدراسات المُنجزة في هذا الشأن، بينما نالت المناهج الأخرى (المنهج المسحي، منهج دراسة الحالة، المنهج التاريخي، المنهج المقارن، المقاربة السيميولوجية ..) حصة الأسد من تلك الدراسات.

أكيد أن ظهور التكنولوجيات الحديثة للإعلام و الاتصال، ٍأنتج سلوكات جديدة أو على الأقل مغايرة عن تلك التي سادت إلى وقت قريب في تعامل الفرد مع وسائل الإعلام، و التي حضيت بعناية علمية كبيرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي، فظهرت مدارس فكرية ونظريات علمية ومناهج وتقنيات بحثية حولها، نجحت – إلى حد ما – في تفسير الظاهرة الإعلامية الاتصالية بخاصة في سياقاتها الاجتماعية المختلفة، لكن الأمر قد يحتاج إلى أكثر من ذلك في فهم مخرجات هذه التكنولوجيات الحديثة من سلوكات و تصرفات و مواقف، تكون أكثر عمقاً فما الذي يجعل هذا النوع من الدراسات لم يحظ بالأهمية اللائقة في الأوساط العلمية عندنا.

 مبادئ المنهج الإثنوغرافي.

يُعد المنهج الإثنوغرافي من بين أهم المناهج المُستعملة في الدراسات الكيفية و أشهرها، فكان ظهوره مرتبط بصفة مباشرة بعلم الأنثروبولوجية و الإثنولوجيا، حيث يشير عند المختصين في هذين المجالين، إلى نمط من البحث الاجتماعي يهتم بدراسة جماعة اجتماعية معينة في مدرسة، مصنع، نادي، جامعة ... الخ دراسة كلية من خلال ثقافة هذه الجماعة والتعرّف على مفاهيمهم وإدراكاتهم الداخلية.

بهذا المفهوم للمنهج الإثنوغرافي، حاول كل من مرسال موس Marcel Mauss1926، برونيسلو منيلوفسكيMalinowski Bronislaw1963، و قريتس كليفوردGeertz Clifford1973، و غيرهم فهم الثقافات المتباعدة ثم امتد استعماله مع مدرسة برنغام البريطانية ليشمل السياقات الحضرية ( Cléret, P 52)، و مع مدرسة شيغاغو الأمريكية التي استلهمته من ثنايا التفاعلات الرمزيةl’interactionnismesymbolique بقيادة جورج هربرت ميد Georges Herbert Meadو التي كان من بين أهدافها، الطبيعة الرمزية في الحياة الاجتماعية.

أما في ميدان الاتصال، فيمكن الحديث عن  مقاربة "أنثروبولوجيا الاتصال" و التي ظهرت كتخصص لأول مرة سنة 1967 من خلال  كتابات عالم اللسانيات الأمريكي  ايمس دال Hymes Dell(1927 – 2009)، حيث اقترح استثماراً اثنوغرافياً للسلوكيات و الوضعيات والأشياء الموجودة عند جماعة معينة على أساس أن لها قيمة اتصالية، تتبادل على إثرها المعاني والأدوار بين أفرد الجماعة.

المبدأ العام الذي بني عليه هذا المنهج، هو أن الباحث يحصل على المعلومات والبيانات حول الظاهرة التي يريد دراستها من واقع الميدان ذاته . فالأبحاث الاثنوغرافية تتطلب آليات معينة لجمع البيانات كتدوين المشاهدات اليومية داخل المؤسسة مثلاً، أو خارجها، وكذلك إجراء مقابلات مع المديرين أو الموظفين أو العمال أو كل من شأنهم تقديم المعلومات المتخصصة للباحث، كما يجمع الباحث أيضاً معلوماته من الوثائق التي قد يتحصل عليها ويوميات ذات صلة.

التوجه الآخر للمنهج الإثنوغرافي، هو المشاركة، أي مشاركة الباحث مجتمع البحث، لذلك يُسمى عند البعض بـ "الملاحظة بالمشاركة" أي المبدأ الذي يجعل الباحث يعايش الجماعات الإنسانية التي هو بصدد دراستها، حتى يمكنه من تحديد خصائص هذه الجماعة و بشكل دقيق، و قد كان هذا المبدأ، أساس الدراسات الأنثروبولوجية الأولى التي قام بها جورج باتيسون )Gregory Bateson(، و إرفين قوفمان Erving Goffman(.

ويشترط المنهج الإثنوغرافي، و على خلاف المناهج و المقاربات الأخرى و على رأسها البحوث الكمية، عدم الاعتماد على فرضيات توجه الباحث الإثنوغرافي في تحقيقاته الميدانية، و لا على تساؤلات إجرائية تحدد له مسار البحث، بل على ما تنتجه مختلف التفاعلات بين عناصر الظاهرة، ففي دراسة للدكتور بوجمعة رضوان حول أشكال الاتصال التقليدية في منطقة القبائل- محاولة تحليل أنثروبولوجي – (بوجمعة: 2007، ص24)، صرح عن عدم استعماله للفرضيات قائلاً "سنسعى في الإجابة عن تساؤلات هذه الإشكالية انطلاقاً من تفادي بناء افتراضات مسبقة حول الموضوع، لأن المعرفة الاجتماعية و الثقافية و الاتصالية حول المجتمع الجزائري، لا تشكل تراكماً معرفياً يمكننا من صياغة هذه الافتراضات في مثل هذا الموضوع بوجه خاص".

إن هذه المبادئ مجتمعة، تجعل من المنهج الإثنوغرافي مقاربة بديلة للمناهج الكمية على الأقل  في الدراسات التي لا ترى فائدة من تكميمها، أو لمقاربة الإشكالية الخاصة المرتبط بأبعاد لا يمكن تكميمها أصلاً مثل السلوك و المواقف و التصرفات .. و التي تُعد في الكثير من الأحيان، مفاتيح فهم و تفسير مختلف الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام في حياة الأفراد.

 مميزات البحث الإثنوغرافي.

ينفرد المنهج الإثنوغرافي عن بقية المناهج، ببعض الخصوصيات الدقيقة تدور معظمها حول طبيعة العلاقة بين الباحث الإثنوغرافي و الميدان محل الدراسة، فهي علاقة مباشرة – أو ينبغي أن تكون كذلك - قائمة على الملاحظة بالمشاركة و المقابلة بمختلف أنواعها، كما أنه يتميز ب:

  • يقوم على دراسة حالة واحدة في مجتمع صغير أو جماعة معينة، مثل الاتصال غير اللفظي و دوره في التحصيل البيداغوجي لطفل الطور الابتدائي، هنا يمكن أن تكون الحالة، قسم من أقسام مدرسة من المدارس الابتدائية المتواجدة في محيط الباحث.
  • يتم في البيئة الطبيعية للسلوك الإنساني، أي في البيئة التي يكون فيها سلوك المبحوث غير مُفتعلة و لا مصطنعة، مثل دراسة طبيعة الاتصال الجواري (بين الجيران) في المحيط الاجتماعي، هنا قد تكون البيئة المدروسة هي المقهى أو التجمعات داخل الحي، أو داخل المسجد، أو في التجمعات المناسباتية ..
  • يهدف المنهج الإثنوغرافي إلى محاولة فهم السلوك الإنساني، و عن طريق ذلك الفهم يمكن الكشف عن المنطق الذي يُبنى عليه المجتمع و المعنى الموزع ((Bateson, 1972
  • يعطي تفاصيل دقيقة وعميقة، أو على الأقل هذا ما ينبغي أن يكون عليه المنهج الإثنوغرافي، فهو عمل دقيق و صارم و محدد لا يغفل أي تفاعل في الظاهرة أو أي وضع يمكنه أن يفسرها أو يفسر جانب من جوانبها.
  • عدم وجود فرضيات مسبقة، يرى البعض أن الظاهرة بالنسبة للباحث الإثنوغرافي، تُعد علبة المفاجآت، أي أن ليس لديه فكرة مسبقة عن ما سيجده مسبقاً، فهو سوف يعتمد على الملاحظة لسلوك، و السلوك لا يمكن أن نتنبأ به مسبقاً، و عليه فإن المنهج الإثنوغرافي لا يحتاج إلى فرضيات يقيسها.
  • يعتمد المنهج الإثنوغرافي على الملاحظة المباشرة للباحث، و للوصول إلى هذا المبتغى، عليه أن ينخرط في ثنايا الظاهرة المدروسة و يلاحظ ما يحتاج بشكل مباشر دون وساطة، مثل الممارسات اللغویة في موقع التواصل الاجتماعي "الفايسبوك"، هنا يمكن للباحث أن يكون عضو في جماعة الفايسبوك و يقوم بملاحظة اللغة المُستعملة للأفراد المشاركين مثلاً.

  واقع المنهج الإثنوغرافي في الدراسات الإعلامية الاتصالية.

للظواهر الإعلامية الاتصالية، بعدين: بعد نفسي يتعلق بعلاقة الفرد بمضامين وسائل الإعلام أو كمنبه في العلمية الاتصالية، و بعد اجتماعي، يرجع منطلق ذلك التعرض والتنبيه إلى طبيعة مختلف الانتماءات الاجتماعية التي يرتبط بها الفرد في حياته الاجتماعية، هنا تكمن أهمية استعمال المنهج الإثنوغرافي في تحديد العلاقة بين البعدين السابقين، و الظاهرة الإعلامية، حيث باستطاعته (وهذا على غرار المناهج الأخرى) حصر السياقات المختلف التي يقع فيها الفعل الاتصالي و الإعلامي للفرد، فهي على عكس الفينومولوجية التي تخص الفرد من خلال السرد لتجاربه، فإن المنهج الإثنوغرافي يتوجه نحو الجماعات و طبيعة التفاعل – أي الاتصال - القائمة بين أفرادها، حتى و لو تطلب الأمر، المرور عبر التجارب الشخصية للأفراد.

حتى و لو لم تكن العلاقة بين المنهج الإثنوغرافي و الأبحاث الإعلامية الاتصالية، ممتدة إلى زمن بعيد، إلا أنها كانت حاضرة في الدراسات الأولى أي منذ بدايات هذا النوع من الأبحاث، مع دافيد مورلي David Morleyالذي كان ينتمي إلى ما يسمى بـ "الدراسات الثقافية" حيث كانت أبحاثه تدور حول التلقي في ثمانينات القرن الماضي، و بالذات بعد الاقتحام المتزايد لتكنولوجيات الحديثة في الأوساط الأسرية (Millerand : 1997, P03)، فكان اعتماده على المنهج الإثنوغرافي، عبر أربعة محطات أساسية: إدراج مفهوم السياق المنزلي domestiqueفي دراسة التلقي، تحديد مفهوم التلفزيون كتكنولوجيا منزلية، إختيار العائلة كوحدة التحليل و الديناميكية كمفهوم عائلي، و أخيراً التوجهات المنهجية للباحثين نحو الآفاق الاثنوغرافية.

على كثرتها*، نالت الدراسات الاثنوغرافية في الغرب، شهرة كبيرة و تطبيقات واسعة في مختلف الميادين المعرفية، إنصب معظمها في محاولة تفسير السلوكات والمواقف والتصرفات الناتجة عن الأفراد في أوضاع اتصالية أو إعلامية مختلفة، فهذه دراسة لديان جيران لجوا  DIANE GÉRIN-LAJOIEمثلاً**(Gérinlajoie, 2006)، تناول فيها الكيفية التي يتكون على إثرها مفهوم الهوية لدى المراهقين الذي يزاولون دراستهم في المتوسطات باللغة الفرنسية في مدينة أنتاريو الكندية، حيث اقترب من هؤلاء مقاربة إثنوغرافية مستعملاً بذلك الملاحظة بالمشاركة و المقابلات المتنوعة حتى يصل إلى ما رسمه من أهداف، أي معرفة الطريقة التي بفهم بها المراهقون هويتهم ، ثم الوصول إلى الكشف عن مختلف أنواع المؤثرات التي قد يتعرضون لها في تحديد تلك المواقف.

و رغم هذا "التفوق" في الدراسات الإثنوغرافية الغربية – على الأقل من حيث الكم –على الدراسات العربية و الجزائرية على وجه الخصوص، إلا أننا وجدنا بعض الدراسات القيمة في هذا الشأن لكنها تبقى حالات شاذة لا تسمح لنا بالحديث عن تراكم ثقافة الدراسات الكيفية في مجال الإعلام و الاتصال عندنا، و على حسب اعتقادنا و تقيمنا لهذه الدراسات، وجدنا دراسة الدكتور رضوان بوجمعة جديرة بالذكر في هذا السياق، حيث تناول عبرها أشكال الأشكال التقليدية للاتصال في منطقة القبائل، من خلال دراسة ميدانية شملت ست قرى من قرى ولايات بومرداس، تيزي وزو، بجاية و سطيف، وقد تم تبنى مقاربة"انثروبولوجيا الاتصال"في التأطير النظري و المنهجي لهذا البحث ، وأنثروبولوجيا الاتصال، تقترح استثماراً اثنوغرافياً للسلوكيات و الوضعيات و الأشياء الموجودة عند جماعة معينةعلى أساس أن  لها قيمة اتصالية (بوجمعة، 2007، ص 03)، و حتى الباحث نفسه أكد أن دراسته هذه، تبقى من ناحية المعارف الاجتماعية و الثقافية، حكماً أكثر مما هي معرفة مبنية على تراكم معرفي مشكل من كم هائل من الدراسات و الأبحاث.

كما يمكن الإشارة في ذات السياق إلى دراسة بوغراري شيخة حول عادات المشاهدة التلفزيونية لدى المجتمع التارقي (بوغراري، 2014)، و التي يمكن تصنيفها في خانة الدراسات الكيفية التي اعتمدت على المنهج الإثنوغرافي، من خلال تتبعها لسلوكات و تصرفات ثلاثة أسر تارقية تتكلم باللغة التارقية وقامت بملاحظة أفرادها قبل وأثناء وبعد التعرض للتلفزيون ورصد سلوكياته وأخذت مسألة السن والجنس والمستوى التعليمي بعين  الاعتبار، كما سجلت أيضاً نوع البيوت وعدد الغرف وأجهزة التلفزيون والتكنولوجيات الأخرى و نوعها، و قد استعملت لهذا الغرض، ما تمليه الدراسات الاثنوغرافية من أدوات بحث، حيث اعتبرت فيها الملاحظة تقنية أساسية من تقنيات البحث، و هذا لغرض ملاحظة القواعد الثقافية الخاصة باستعمال التلفزيون ولمعرفة كيفية التحدث عن هذا الجهاز، لهذا تم اعتمادها على الملاحظة المباشرة كأداة رئيسية للوصول مباشرة إلى تفسيرات مختلف أشكال الاتصال التي تتبلور حول الموضوع، كما استعانت الباحثة من جهة أخرى، على المقابلة نصف موجهة لاستكمال عملية فهم و إدراك البيانات من ميدان بحثها، و التي أفادتها كثيرا –كما تقول- في تفسير واستظهار بعض جوانب الموضوع .

إن مثل هذه الدراسات، و على قلتها، تثبت إمكانية البحث عبر المنهج الإثنوغرافي بكل ارتياحية، بخاصة في الدراسات التي تلعب فيها السياقات الثقافية و الاجتماعية أدوار بارزة في إعطاء الأبعاد الاتصالية معانٍ و مفاهيم دقيقة تفسر على إثرها طبيعة التفاعل بين الأفراد و سلوكاتهم إزاء بعضهم البعض و داخل الجماعات الاجتماعية التي ينتمون إليها، كما يمكن للمنهج الإثنوغرافي، أن يصل إلى تفسير و توضيح السلوكات الإعلامية، أي تلك التي تربط الفرد الجزائري بوسائل الإعلام، و في هذا الصدد هناك محاولات طيبة لدراسة هذا الجانب، أي تفسير سلوكات الجمهور إزاء مضامين وسائل الإعلام فيما أسماه البعض بظاهرة التلقي.

 مقتضيات المنهج الإثنوغرافي.

يختلف البحث الإثنوغرافي عن الأبحاث الأخرى بمنطلقاته و منهجيته و أهدافه، فهو يبحث عن معاني السلوكات و التصرفات التي قد تظهر في جماعة معينة، في محيطها الطبيعي و أثناء حدوثها، و هو على هذا، لا ينطلق من خلفيات نظرية أو فرضيات، بل يتعامل مع ما قد يريد أن يفصح عنه ميدان الدراسة، يقول الأستاذ قسايسية " وتستند خطوات البحث إلى مختلف وحدات التحليل: الفرد باعتباره موضوع اجتماعي وذات فردية (Social Subjectand Individual Subjectivity)، والجماعة والعلاقات ما بين الذات المشتركة (Intersubjective ) في تجربة الحياة اليومية للجماعة "، و يضيف قائلاً " فالمقترب الإثنوغرافي، يركز على فهم السلوك في سياق اجتماعي عبر مشاركة الباحث في الوضعية المدروسة مشاركة فاعّلة ضمن الفريق موضوع الدراسة".

أما فيما يخص المنطلقات فنوجزها في ما يلي:

ينطلق الباحث في المنهج الإثنوغرافي، من مفهوم نظري وفلسفي مناقض لمفاهيم البحوث التقليدية. ففي حين يسعى البحث الكمي الإحصائي إلى تحديد الأسباب، والتنبؤ وتعميم النتائج، يسعى البحث الإثنوغرافي إلى التبصر، والفهم، والاستكشاف، ودراسة السلوك الإنساني من خلال التفاعل بين الباحث والمبحوثين، وعبر الفهم المتعمق لشعور وأحاسيس وأفكار ومعتقدات المبحوثين، ينتج من هذا التحليل نوعاً من المعرفة يختلف عن نتائج البحث الكمي ( Miles and Huberman : 1999)، حيث لا ينظر إلى الثقافة على أنها مجرد انعكاسات لقوى بنائية، و إنما كنظام للمعاني و الأفكار و اللغة و الطبقة الاجتماعية.

يهدف المنهج الإثنوغرافي إلى وصف و تحليل الظاهرة محل الدراسة، و هو بهذا لا يهدف الوصول إلى نتائج يمكن تعميمها، " لذا فإن وضع النظريات و الفرضيات و القياسات قبل الدخول إلى الميدان، سوف يشوه فهمنا لما يدركه الفرد الذي نقوم على دراسته ذاتياً .. والحقائق الاجتماعية لا يمكن فهمها أو إدراكها إلا من خلال معطيات و معانيها بالنسبة للأفراد في ذلك المجتمع" (الحمداني و آخرون، 2006: 176)

كما يعتمد المنهج الإثنوغرافي على افتراض أن السلوك الإنساني يتأثر تأثراً كبيراً بالبيئة التي يحدث فيها، وعليه، فالفهم الحقيقي للسلوك يتطلب منا فهم تلك البيئة، أو السياق، بصورة متكاملة، ولذا فان جمع البيانات والمعلومات ينبغي أن يكون في مواقعها وسياقاته االطبيعية. و حيث تتم عملية تفسير البيانات في إطار السياق ذاته، كما أن تعميم النتائج ليس هدفاً، المهم هو الوصف الدقيق والمتعمق للموقف موضوع الدراسة، (Mc millan and Schumacher, 2001 : 420)

أما المنطلقات المنهجية التي تُعد أساسية في طبيعة هذا المنهج و أسلوبه العلمي، فهي تتميز بالمرونة، فلا توجد آلية موحدة لجمع المعلومات وتحليلها، حيث يكيّف الباحث ما قد يجده في الميدان و من خلال احتكاكه اليومي مع الظاهرة و مكوناتها، يلاحظ مستجداتها، يفسر سلوكات أفرادها و تصرفاتهم، يقابلهم للاستفسار عن ما لم يستطيع إعطاءه دلالة علمية .. وبهذا يتيح لنا المنهج الإثنوغرافي، إطاراً  منهجياً عاماً يمكن الباحث من خلاله أن يساهم بابتكارات وإضافات منهجية، وذلك من خلال رؤيته الإبداعية ومن خلال قدرته على جمع أكبر قدر من المعلومات.

و للوصول إلى المبتغيات السابقة، يعتمد المنهج الإثنوغرافي على آليات منهجية نلخصها في الملاحظة بالمشاركة، والمقابلة كأداتين أساسيتين في جمعه للبيانات، لكن في نفس الوقت فهي لا تعدان الوسيلتين الوحيدتين للقيام بذلك، "لا يرتكز المنهج الإثنوغرافي على الملاحظة بالمشاركة فقط، بل على العديد من الأدوات العلمية على شاكلة الملاحظة المباشرة، والمقابلة نصف موجهة، و المحادثة غير الرسمية، و المحادثة المعمقة، و القصص و الحكايات، كما يعتمد إلى جانب ذلك، على جمع المواد المادية المنتجة من قبل الأفراد مثل الأفلام و الفيديوهات، و الصور ..، هذا التنوع في الأدوات المنهجية، يجعل مصادر معلومات الباحث متنوعة، مما يؤمّن من خلالها نتائجه" Silverman,) .

تُعد التقنيات السابقة الذكر، من الأدوات الكيفية التي تتيح للباحث تأويل و تفسير المعطيات المجمّعة في السياق الذي أنتجها، و بهذا فهي تتيح للباحث إمكانية تفسير المعاني والأوضاع والتجارب الشخصية، في سياقات أوسع مما تتيحه الدراسات التي تعتمد على التفاسير الرمزية فقط، إذ تؤمن البحوث الكيفية بصفة عامة و المنهج الإثنوغرافي بصفة خاصة، بأن السلوك الإنساني مرتبط دائماً بالسياق الذي يحدث فيه، بل ابعد من ذلك، فهذا السياق هو الذي يعطي معاني الأفعال و مخرجات  الأفراد من سلوكات و تصرفات وخبرات و مواقف.

 الأهداف العلمية للمنهج الإثنوغرافي.

للمنهج الإثنوغرافي عدة أهداف تصب مجملها في محاولة فهم و التعرّف على الظواهر والإشكاليات التي لا نعرف عنها شيء أو لا تتوفر حولها معلومات كثيرة، و بهذا فهو يستنطق الميدان للوصول إلى تحديد – وبدقة كبيرة-  آليات التفاعل بين الأفراد ومعاني ما يتم تبادله من رموز و أشكال و مواقف و سلوكات، يصعب لمنهج آخر الوصول إليها بتلك الصفات.

يرى كل من شواليتس شاه و هنجChwalisz, Shah et handأن هدف البحوث الإثنوغرافية، هو فهم المعنى الذي يعطيه الفرد، للأحداث و الأوضاع التي يعايشها في حياته اليومية؟، كما يحاول إعطاء تفسير للصيرورة التي من خلالها تبنى تلك المعاني و التماثل لوضعية اجتماعية معينة (Chwalisz, Shah et Hand, 2008 : 55).

كما يسعى المنهج الإثنوغرافي من جهة أخرى، إلى محاولة استخلاص النظريات و المعارف من الميدان محل الدراسة، باعتباره ينطوي على تحليل و دراسة جبهتين في الظاهرة، المتغيرات الداخلية التي يلتقي بها الباحث في تصرفات المبحوث، و المتغيرات الخارجية التي قد تحدث على الظاهرة تغيرات تفسيرية ملحوظة، و قد تكون الجهتين متداخلتين في تشكيل و إعادة تشكيل البناء الاجتماعي للفرد و محيطه.

 أسباب العزوف.

يبدو من خلال ما طرحناه سابقاً، أن المنهج الإثنوغرافي، يمتاز بأريحية منهجية تجعله أسهل في اعتماده من بعض المناهج الأخرى التي نالت قسط من الاهتمام العلمي لدى باحثينا.

فلماذا العزوف المُلاحظ عن تطبيقه في الدراسات الإعلامية الاتصالية عندنا؟.

لا ندعي أننا سوف نقدم الإجابة الوافية القطعية للسؤال السابق، لكن إجابتنا سوف تكون حوصلة لما توصلنا إليه من خلال ملاحظتنا الكيفية لمختلف الأوضاع البحثية عندنا و التي تجعل من هذا المنهج ضعيف الاستقطاب للشغف العلمي لدى طلابنا و باحثينا، و هي تنقسم إلى قسمين:

أ – ضعف التكوين:

ضعف البرامج البيداغوجية المسطرة لمختلف أطوار التكوين، في المنهجية بصفة عامة وغياب شبه التام للمنهجية الكيفية فيها، مما يجعل الكثير من طلابنا لا يعرفون حتى تسمية المنهج الإثنوغرافي.

ضعف بعض أساتذة المنهجية المكلفين بإدارة تلك المواد، فهم بدورهم كانوا عرضة للسبب السابق في تكوينهم الجامعي، و القلة منهم من اجتهد بشكل فردي في فهم و تطبيق المنهجية الكيفية في إنجاز بحوثهم.

السبب السابق، أنتج ضعف من نوع آخر، و هو قلة التدريب على الأدوات المنهجية التي يعتمد عليها المنهج الإثنوغرافي على الأقل فيما يخص الملاحظة بالمشاركة و المقابلة، و هذا يجعل البحوث الكيفية في نظر طلابنا و باحثينا سهل ممتنع يصعب اجتيازه، لأن هذه التقنيات تتطلب مهارات عالية في الملاحظة والتسجيل.

 ب –أسباب تقنية.

من بين خصائص المنهج الإثنوغرافي كما رأينا ذلك سابقاً، هو عدم وجود فرضيات مسبقة ومحاور صارمة بالأسئلة التي تقود البحث، فهو منهج يتميز بالمرونة في الطريقة والتحليل، كما أنه بحث غير مقنن، فلا يخضع لضبط سابق للمتغيرات، كما أن له القدرة على الكشف عن الظواهر العفوية التي تظهر من خلال الممارسات والسلوكيات غير المقصودة خلال إجراءه مما يخلق بعض الصعوبات خاصة في بداية البحث، وهذا ما حصل مع كثير من الباحثين الاثنوغرافيين الذين لم تتبلور أسئلة الدراسة معهم، إلا بعد مرور فترة من الزمن، استطاعوا من خلالها التخلي عن الكثير من الأفكار التي توقعوها قبل دخولهم الميدان، و لجأوا إلى أفكار أخرى شكلت محور اهتماماتهم أثناء وجودهم في الميدان،( حاج حامدري،2011، ص 14).

من بين شروط المنهج الإثنوغرافي، أن يشارك الباحث ميدان بحثه لفترة كبيرة بعضهم حددها ما بين سنتين إلى عشرة سنوات للبحوث الطويلة، الشرط الذي لا يتماشي مع متطلبات البحث العلمي الأكاديمي، التي يتم تحديد مدته، في أقصى الظروف، بثلاث سنوات***(لكل محطات البحث) المدة التي لا تسع الباحث من معاشرة الظاهرة معاشرة دقيقة تسمح له بالإحاطة بكل تفاصيلها.

إذا كان المنهج الإثنوغرافي، لا يشترط دخول الباحث إلى ميدان دراسته و هو مشبع بالأفكار المسبقة و القوانين العلمية والنظريات المفسرة لبعض الظواهر، قصد دراستها أو قياسها، فهذا الشرط يخلق إشكالية قدرة الطالب عندنا على مواجهة ميدان البحث بتكوين نظري يسمح له باقتحام ذلك الميدان بذلك الشرط؟،نحن لا نشك في قدرات الطالب ولا في طبيعة تكوينه المعرفي الخاص بميدان الإعلام و الاتصال، لكننا و من خلال البرامج التكوينية المبرمجة في كلياتنا للإعلام، يظهر لنا ضعف التوجه نحو المواد ذات الطابع الاجتماعي والإثنروبولجي.. أي المواد التي تسمح للباحث بالتزود بمعارف قادرة على تفسير السلوك الملاحظ و المواقف التي قد تصادفه في بحثه الميداني، فهو في الأغلب الأعم لا يعرف ماذا سيلاحظ؟ وكيف سيلاحظ؟ و كيف يفسر ما يلاحظه؟.

العائق السابق، نتج عنه إشكال آخر يتعلق ببعض الدراسات التي أُنجزت في هذا الشأن، و بغياب الخلفيات السابقة، وصلت هذه الدراسات إلى مجموعة من التفسيرات غير الموضوعية مبنية على أهواء الباحث الشخصية و طبيعة إدراكه للأشياء، و تفسيره الخاص لها، فبقيت عبارة عن دراسات سطحية تكاد أن تقترب إلى الأفكار العامة المتداولة بين عامة الناس، فهي لم تشكل تراكم معرفي في هذا الشأن حتى يأخذها الطلبة الباحثون كمقعد يستبصرون به أو يحفزهم على التوجه نحو الدراسات الكيفية بصفة عامة.

إن الوضع العلمي الذي هو عليه المنهج الإثنوغرافي بصفة خاصة، و الدراسات الكيفية بصفة عامة، ليس خاص بحالة البحث العلمي في الجزائر فقط، بل هو كذلك في الكثير من الدولة العربية على وجه الخصوص، فقد عبر أوراغي أحمد عن هذه الحالة قائلاً  "فالإثنوغرافية في العلم العربي، ما زالت تعاني التشتت و عدم إثبات هويتها و أحقيتها بالتطبيق، بوصفها منهجا بحثيا من مناهج البحث و العلوم الإنسانية و الاجتماعية، أما تدريسها في الجامعات فمحدود إن لم نقل منعدم، و ربما يرجع ذلك إلى ضعف الاهتمام به بوصفه أحد المناهج البحثية، سواء من ناحية عرضه نظريا، أو تطبيقه ميدانياً" (أوراغي: 2007، 54).

الخاتمة.

ليس الغرض من هذه المحاولة إلا فتح أبواب النقاش واسعة على البحوث الكيفية و منه المنهج الإثنوغرافي في الدراسات الإعلامية الاتصالية عندنا، كما تسعى إلى التشجيع على تبنيها في أعمال الطلبة بما يخدم هذا النوع من الدراسات في الاتجاهات العلمية الصحيحة، و رغم أسباب العزوف التي أتينا عليها سابقاً، فإن المنهج الإثنوغرافي يحمل في طياته إيجابيات أكثر من السلبيات علاوة على أنه الوحيد الذي يمكن من خلاله دراسة و تحليل و تأويل سلوكات الأفراد والعلاقات التي ينسجها هؤلاء في مجالاتها الطبيعية.

هناك مجالات كثيرة لم تنل حظها من البحث في ميدان الإعلام و الاتصال، فإما لأنها غير واضحة المعالم بعد، مثل استعمال الإنترنيت و الاشباعات المحققة منها، أو لأن أدوات التحليل المنهجي المتوفرة لطلابنا إلى حد الآن لا تحظى بالفعالية  في البعض منها، و لذلك نحن نعتقد أن المنهج الإثنوغرافي هو باب النفاذ للذين يريدون المغامرة العلمية في دراسة الأدوار التي تلعبها وسائل الإعلام في حياة الناس مثلاً، أو دراسة السلوك الاتصالي للجمهور، أو  تحليل السلوك الخطابي، مقاربة النظم اللغوية و إشكالية أدائها، و البحث في سلوك المتلقي، و جمهور الإنترنيت .. و غيرها من المواضيع.


المراجع

*لا يسع المجال في هذا المقال، على ذكر الكثير من الدراسات التي جاءت حول الدراسات الكيفية في مجال الإعلام و الاتصال، فقد يجد القارئ الكريم الكثير منها عبر صفحات الواب، أردنا فقط الإشارة إلى أمثلة و تواريخ تثبت صدارة هذا النوع من الدراسات في الغرب عنه في الجزائر.

**أنظر إلى بعض من هذه الدراسات التي تعرض لها الباحث بوجمعة رضوان في أطروحاته للدكتوراه و المشار إليها في قائمة المراجع.

***تختلف هذه المدة من مستوى إلى آخر، و ثلاث سنوات هي المدة المخصصة للإنجاز أطروحة دكتوراه، أما مستوى الماستر فهي لا تتعدى سنة غير كاملة.

  • أوراغي، احمد ( 2007 ). "الدراسات الانثربولوجية في جامعة تلمسان الواقع والأبعاد". ورقة عمل مقدمة للملتقى الأول حول وضعية البحث، 10 ديسمبر، 2007 م، الجزائر. – الانثربولوجية في العالم العربي. تبسه.
  • الحمداني، موفق وآخرون ( 2006 ). مناهج البحث العلمي. عمان: دارالمسيرة.
  • بوجمعة رضوان (2007). أشكال الاتصال التقليدية في منطقة القبائل- محاولة تحليل أنثر وبولوجي – أطروحة دكتوراه دولة في علوم الإعلام و الاتصال، جامعة الجزائر3:كليةالعلوم السياسية والإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال.
  • بوغراري شيخة، (2014)، عادات المشاهدة التلفزيونية لدى المجتمع التارقي، رسالة الماستر، جامعة الجزائر 03 كلية علوم الإعلام و الاتصال. قسم الاتصال . فرع أبحاث الجمهور
  • حامدري حاج ، كنزة (2011). دور التلفزيون في تشكيل بعض القيم لدى المرأة الريفية الجزائرية دراسة إثنوغرافیة على عینة من الریفیات الجزائریاتمذكرة ماجستير، جامعة الجزائر– 3كلية العلوم السياسية والإعلام، قسم علوم الإعلام والاتصال.

 

  • Baptiste Cléret (2013). L’ethnographie comme démarche compréhensive : immersion dans les dynamiques consommatoires du rap en France, RECHERCHES QUALITATIVES ? Vol. 32 (2).
  • Bateson Gregory (1972). (form and pathology in relationship), In : Steps to an ecology of mind : collectedessays in anthropology, psychiatry, evolution, and epistemology, sanfrancisco : chandler publication company.
  • CHWALISZ, K., S.R. SHAH et K.M. HAND (2008). (Facilitating rigorous qualitative research in rehabilitation psychology) Rehabilitation Psychologyvol. 53.
  • Coté daniel et Gratton Danielle,(2014). Méthodes qualitatives, quantitatives et mixtes dans les recherches en sciences humaines, sociales et de la santé, Québec : Les presse de l’université du quebec.
  • GÉRIN-LAJOIE DIANE)2006). L’utilisation de l’ethnographie dans l’analyse du rapport à l’identité, Éducation et Sociétés, N° 17, ¨P74.
  • Millerand Florence (1997).David Morley et la problématique de la réception, Université de Montréal.
  • Miles, ‎Matthewand Michael . Huberman (1999). Qualitative DataAnalysis, ThousandOaks : Sage Publication. USA.
  • McMillan, j & Schumacher, S. (2001) Research in Education : A Conceptual Introduction. Longman Publications. New York. USA.
  • SlLVERMAN, David. (2011). (Ethnographic observation), dans Interpreting Qualitative Data. A Guide to the Principles of Qualitative ResearchLos Angeles, Sage Publications.

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا:

الاكتر شيوعا

المتواجدون في المدونة

المتابعون

أمثلة شعبية

أنت تفكر و ربي يدبر

مثال اليوم