الدراسات السابقة في البحث العلمي.
![]() |
الدراسات السابقة مؤشر لاستمرارية البحث العلمي |
الدراسات السابقة
أو كما قد نجدها في بعض الأحيان تحت تسمية "الأدبيات السابقة" لا تعني
بأي حال من الأحوال التطابق بين ما يقوم به الباحث من دراسة، و بين ما قد يجده من
دراسات، لكنها تدخل تحت مبدأ التكامل، أي أن الباحث في مرحلة جمع البيانات، قد
يصادف بعض الدراسات التي تكون في صميم ما يبحث فيه، سواء في عموميات الموضوع، أو
من حيث النتائج التي توصلت إليها، أو حتى من حيث الأدوات المنهجية التي اعتمدت
عليها، فهو يسعى إلى أن يبدأ من حيث انتهى الآخرون وأن يوضح مـدى
الاتفاق أو الاختلاف بين دراسته والدراسات السابقة، وما
تميزت به دراسـته بياناً لموقعها بين الدراسات السابقة2.
ما هي الدراسات التي يختارها الباحث لتكون دراسات سابقة؟
يختار الباحث
الدراسات التي ترتبط بدراسته إما لأن موضوعها يشبه الموضوع محل التحليل، أو لأن
الأدوات المنهجية التي استعملتها تشبه الأدوات المنهجية التي ينوي الباحث الاعتماد
عليها، لكن هذان البعدان لا يعنيان التطابق التام بين الدراسات السابقة و دراسة
الباحث، إذ أن ذلك يتناقض و مبدأ الاستمرارية التي تحدثنا عنها سابقاً، و عليه فإن
الباحث يختار الدراسات السابقة التي تساعده على فهم أكثر للظاهرة و
تفاعل عناصرها من جهة، و كذلك البرهنة على أهمية البحث و جدوى تنفيذه، فمثلاً إذا
كنا نبحث عن الظاهرة الاتصالية بين الأولياء وأطفالهم، فلا داعي لاختيار الدراسات
السابقة التي تناولت الظاهرة الاتصالية، لكن من المفيد اختيار الدراسات التي
تناولت العلاقة بين الأولياء و أطفالهم، أما إذا كنا بصدد تحليل خطاب رئيس
الجمهورية بحثاً عن مفهوم المواطنة، فإن الدراسات السابقة قد تكون تلك التي تناولت
تحليل الخطاب السياسي بحثاً عن منظور صانع القرار في بعض الظواهر أو المفاهيم.
أما البعد الثاني
الذي يتم على أساسه اختيار الدراسات السابقة، فهو المقاربات المنهجية، بمعنى أن
الباحث يمكنه الاعتماد على الدراسات التي استعانت بمقاربات أو تقنيات أو مناهج، تتطابق
و المقاربات المنهجية التي يريد استعمالها، فإذا كنا بصدد البحث عن موقف الجريدة
الفلانية إزاء ظاهرة الغاز الصخري، فإننا يمكن الاعتماد على الدراسات السابقة التي
استعملت تقنية تحليل المضمون في تحديد الموقف في خطاب سياسي معين.
الطريقة المُتبعة في عرض الدراسات السابقة
أما الطريقة التي
ينبغي على الباحث اتباعها في عرض الدراسات السابقة، فهي تقتصر على الخطوات
التالية:
- عنوان الدراسة و
صاحبها *.
- إشكالية الدراسة، اي السؤال الجوهري الذي
تدور حوله الدراسة.
- التقنيات المنهجية المعتمدة، سواء المنهج
أو الأدوات.
- عرض مختصر جداً لموضوع الدراسة، أي الخطوط
العريضة التي ارتكزت عليها الدراسة.
- نتائج الدراسة، في شكل مختصر و دقيق.
- عرض نقطة أو نقاط
تلاقي دراسة الباحث مع الدراسة السابقة المُختارة، كما يحدد جوانب النقص والتقصير فيها حتى يستدركها في
دراسته ويتجنب الوقوع فيها مرة أخرى.
هذا وقد يتوقف الباحث بشيء من التفاصيل في
النقطة أو النقاط التي لها علاقة مباشرة بموضوعه، أو تلك التي تتلاقى فيها دراسته
مع الدراسة السابقة المختارة.
أما ما قد نجده في بعض الدراسات، من تصنيف
هذه الأخيرة إلى دراسات غربية و أخرى عربية على سبيل المثال، أو تصنيف حسب بعض
متغيرات الظاهرة، فهذا تنظيم جيد و مشجع حتى و لو لم يكن هناك مرجع ينص على ذلك.
ما هي طبيعة الدراسات التي يمكن أن تشكل
دراسة سابقة؟ ما عدا المقالات في الجرائد اليومية، فإن باقي الأعمال العلمية يمكن
اختيارها كدراسات سابقة و نحن نقصد:
- كتاب (أو كتب)، بشرط أن تكون له علاقة
بالدراسة من حيث أحد البعدين المشار إليهما سابقاً، وأن لا يكون ذا طابع أدبي، كما
قد يختار الباحث فصلاً من كتاب إذا كان جد مهم بالنسبة للدراسة.
- بحوث جامعية كأطروحات الدكتوراه ورسائل
الماجستير، لأن قيمتها العلمية قد تم إثباتها عبر مناقشة محتوياتها أمام لجان.
- مقال مطول وعلى
النمط المنهجي العلمي المعمول به في البحوث العلمية، يتم عرضه في المجلات العلمية
المحكمة، مثل المقالات العلمية التي تُعرض في جريدة لوموند ديبلوماتيك Le monde diplomatique.
ما هو عدد الدراسات
السابقة التي ينبغي على الباحث الاعتماد عليها وعرضها؟ يقول بورك و وغال Borg et gall (ليس
هناك إجابات محددة أو قواعد ثابتة تبين عدد الدراسات التي يجب أن يراجعها الباحث،
و لكن هناك مبادئ عامة على الباحث اتخاذ قرار بتحديد العدد منها) 1، و هذه
المبادئ هي نوعية الدراسة المختارة و طبيعتها و علاقتها بدراسة
الباحث، و على الرغم من ذلك فلا ينبغي الإكثار منها دون فائدة، و إلا فإن ذلك يكون
دليلاً على أنّ الموضوع قد دُرس من قبل و يحط من قيمته، فنحن نعتقد أن ما بين
دراستين و أربعة، كافية لتلبية الغرض المنهجي المطلوب.
هل هناك دراسات لا تحتاج إلى دراسات سابقة؟
رأينا في غير هذا
الموضع، أن الظواهر في البحث العلمي –خاصة الظواهر الإنسانية و الاجتماعية– تتغذي
من عدة روافد، أي أن هناك عدة أسباب لحدوثها، فهي لا تظهر من العدم، و عليه فإنه
من المفروض أن نجد ما قد يشكل نقطة التلاقي بين الدراسة محل التحليل و
إحدى الدراسات التي تناولت بالتحليل أسباب حدوث تلك الظاهرة، و يقول سعيد إسماعيل
صيني في هذا الصدد، "و يلاحظ أن الإدعاء في وقتنا الحاضر بعدم و جود دراسات
سابقة في المشكلة التي نقوم بالبحث فيها سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا
يكون صحيحاً، إلا في الحالات التالية: المقصود بعدم الوجود هو عدم توفرها في أماكن
محددة، أو المقصود بعدم التوفر هو انعدامها في لغة أو لغات محددة" 2، و حتى في هاتين الحالتين، فإننا لا نعتقد أنها لا تشكل حججا في
عدم وجود دراسات سابقة، خاصة في عهد التكنولوجيات الحديثة لاتصال، وشبكة المعلومات
.. فإننا يمكن الحصول عليها بطرق جد سهلة.
مجمل القول، أن فائدة الدراسات السابقة، تكمن في زيادة الدراسة محل التحليل، مصداقية باعتبار أن هناك محاولات أخرى لإيجاد حلول للظاهرة وأن هناك شبه اتفاق في أهمية دراسة هذه الظاهرة.
الهوامش.
1 سعيد إسماعيل صيني،
مرجع سبق ذكره، ص 155.
2 داود بن درويش حلَّس، دليل
الباحث في تنظيم وتوضيح البحث العلمي في
العلوم السلوكية، مرجع
سبق ذكره، ص 85.
* على
الباحث أن يعرض في المتن، صاحب الدراسة و عنوانها فقط، على أن تهمش الدراسة
السابقة بكل معلوماتها كما سنوضحه عند تطرقنا لطريقة تهميش المراجع.
1 Borg-w,
Gall-M, educational Research: An introduction, New york, lang man Co,
1979, P102.
2- سعيد إسماعيل صيني، مرجع سبق ذكره، ص 155.