النظام الإعلامي في الدول النامية

 

النظام الإعلامي في الدول النامية.

اطلعنا منذ مدة على كتاب قيم لصاحبه حامد عبد الله ربيع، بعنوان مقدمة في نظرية الرأي العام، ويعد الكتاب نظرة علمية دقيقة و صارمة لظاهرة الرأي العام و الاتصال السياسي، من نواحي متعددة و قد رأينا في إحدى مقاطع الكتاب نظرة موضوعية و طريقة منهجية دقيقة في وصفه للنظام الإعلامي في الدول المتخلفة، فائدة عالية لقراءته و مقارنته بالمعارف التي لدينا على هذا النظام، إنه يختلف عن ما كُتب عن الإعلام  في المنطقة.

أما الكاتب فهو حامد عبد الله ربيع (1924 – 1989)، من أكبر المفكرين العرب حتى سمي رائد أساتذة العلوم السياسية، كتب حول الرأي العام و في الاتصال السياسي و في الدعاية الصهيونية و عن الحرب النفسية في المنطقة العربية و في كافة فروع العلوم السياسية و تخصصاتها، كما كان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة، مدرساً و أستاذاً بارزاً فيها و في مختلف الجامعات العربية.

النظام الإعلامي
النظام الإعلامي

يقول في هذا المقطع:

و لعله من المبالغة أن يوصف هذا بأنه نموذج للنظم الإعلامية المعاصرة، فهو يعكس خصائص نظامية هي بدورها انعكاس للأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية المرتبطة بالتخلف السياسي أكثر من أن يعبر عن صورة من صور التنظيم الذاتية للوظيفة الإعلامية، و الذي يعنينا أن نؤكد بهذا الخصوص هو الخصائص العامة التي تسيطر على اتجاهات الرأي العام في تلك المجتمعات، و التي لا بد أن تفرض وجودها على الجهاز الإعلامي من جانب و بالتالي على أبعاد أسلوب التعامل بين الدبلوماسي و النظم الإعلامية من تلك المجتمعات من جانب آخر.

أ – فأول ما يجب أن نلاحظه أنه بالنسبة للرأي العام فإن المجتمعات المتخلفة لا تعرف هذه الظاهرة، و هي إن عرفت – في بعض الأحيان – بعض مظاهر التعبير عن وجود ظاهرة الرأي العام فإن هذه الظاهرة ترتبط دائماً بمجتمع العاصمة، بل و بالعناصر المثقفة من مجتمع العاصمة، إن لم تكن هذه المصادر مصطنعة وليدة تحريك السلطة الحاكمة، الرأي العام لا يكون قوة محركة في المجتمع السياسي المتخلف، و هو إن وجد كذلك فهو في العادة جزئي مؤقت يكاد يعبر عن حالة اشتعال جماهيرية منها عن الرأي العام في معناه الحقيقي.

ب – فيما يتعلق بالنظرة الإعلامية فإن المظاهر العامة التي تميز المجتمعات المتخلفة تتمثل في عدم وضوح أبعاد الرؤية، بعبارة أخرى عدم وجود أي فلسفة واضحة المعالم بالنسبة للنظام الإعلامي، بل إن الملاحظ أن الإعلام يختلط بالتثقيف و يشغل أوقات الفراغ دون أن يكون هناك تخطيط سواء بالمعنى الكلي الشامل، أو بالمعنى المهني في داخل الأجهزة الإعلامية.

ج – فإذا انتقلنا إلى عملية الإعلام ذاتها لوجدنا أنها تخضع لعشوائية مؤلمة، الطبقة الحاكمة لا تفهم المعنى الحقيقي للوظيفة الإعلامية، الرأي العام لا وجود له في عملية التفاعل اللازمة بين الإعلام و القوى السياسية، و أكثر من كل هذا أن رجل الإعلام ذاته تنقصه الأدوات الأولية اللازمة للتخصص في مهنته الإعلامية، و رغم جميع جهود اليونسكو في هذا الشأن فإن الهيئات الدولية تسلم بإخفاقها الكامل بخصوص إنشاء مهنة إعلامية في المجتمعات النامية، و لعل السبب الأساسي يعود إلى أن هذه المهنة خلافا للمهن الأخرى كالطب مثلا تفترض تطورا ذاتيا و تقاليد محلية، فضلاً عن أنها لا يمكن أن تكتسب فقط من الثقافة الأجنبية، و إذ أضفنا إلى ذلك حداثة هذه المهنة لفهمنا بكل وضوح الأسباب التي لا بد أت تقود إلى هذه النتيجة.

و هنا يثور السؤال التالي: هل الإعلام في المجتمعات المتخلفة لا يؤدي أي وظيفة بخصوص التعرف على اتجاهات الرأي العام المحلي؟ قد يبدو و لأول وهلة أن هذه الأجهزة الإعلامية تعكس الرأي العام الرسمي، أي الرأي العام الذي يعبر عن الطبقات الحاكمة، و هذا صحيح، إلا أنه يجب بهذا الخصوص أيضاً أن نتناول هذه العلاقة بالكثير من الحذر، الاتجاهات السياسية في المجتمعات النامية تمتاز بالسطحية، و عدم العمق، و بالتالي فهي غير ثابتة و قابلة للتغيير في أي لحظة دون مقدمات و لأتفه الأسباب، و لذلك فعلى الدبلوماسي أو رجل السياسة، أن يكون حذراً في استخلاص النتائج حتى بخصوص هذه الناحية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم
أعلان اول الموضوع

نموذج الاتصال