الأخطاء المنهجية في الدراسات الاستطلاعية

 الأخطاء المنهجية في الدراسات الاستطلاعية.

تم نشر هذا المقال في المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام (لاغواط)
المجلد 06 العدد 01، جوان 2023.

الأستاذ الدكتور تمار يوسف


غريب ما يقوم به طلابنا الذين هم مقبلين على إنجاز مذكرات التخرج أو انجزوها، و بخاصة الذين يختارون مقاربة الظواهر مقاربة استطلاعية (surveys) أو كما تُسمى عند البعض بالمقاربة الاستقصائية، أي الدراسات التي تعتمد على استطلاع الرأي باستعمال الاستمارة الاستبيانية و توزيعها على عينة من المستجوبين، إذ أن الغرابة تظهر في طبيعة الأخطاء التي يقعون فيها، و الأدهى أنهم لا يرون فيها أخطاء و اقتناعهم أنها ليس كذلك و لا يرون أهميتها في النتائج التي قد يصلون إليها.

الدراسات الاستطلاعية
الدراسات الاستطلاعية

ما هذه المحاولة إلا عرض لما لاحظناه في احتكاكنا بالأعمال العلمية التي يقوم بها طلابنا في إطار أعمالهم العلمية، و حتى في بعض المقالات العلمية التي قمنا بتحكيمها، و قد نكون مخطئين في بعضها، إلا أن الكثير من تلك الملاحظات، أصبحت حقيقة سلبية في الإجراءات التي يُفترض أن تحكم صرامة الدراسات الاستطلاعية، المهم أننا نعرضها لغرض مناقشتها و تصحيحها إن أمكن.

لا زال علم الإعلام و الاتصال، بحاجة ماسة للدراسات الاستطلاعية، على الأقل في عنصر الجمهور (المستقبِل) الذي يُعد من بين أهم عناصر العملية الإعلامية الاتصالية و نجاح صيروراتها، فالتأكد من وصول الرسالة إلى مقاصدها من الجمهور و بالكيفية التي أرادها المُرسل، تستلزم دراسة طريقة هذا التلقي و الظروف التي يتم فيها إلخ من المتغيرات، و حتى و إن كانت هناك الكثير من الطرق المنهجية التي يمكنها القيام بذلك، إلا أن الاستطلاع يبقى واحد من أهم تلك الطرق و أكثرها مصداقية لدى الكثير من الباحثين.

لهذه المحاولة هدفين، الأول و هو التعرف على أهم الأخطاء المنهجية التي يقع فيها باحثينا و طلابنا بناء على العرف المنهجي و الأدبيات المنهجية المرتبطة بهذا النوع من الدراسات، و الهدف الثاني هو محاولة تصحيح تلك الأخطاء على الأقل تلك التي يمكنها أن تأثر سلباً على أسس البحث و نتائجه، و يبقى على الباحث تكييّف متطلبات الدراسات الاستطلاعية مع أهداف دراسته و إشكاليتها.

الكلمات المفتاحية: الدراسات الاستطلاعية، الدراسات الإمبريقية، الاستبيان.

Résumé.

C'est étrange ce que font nos étudiants qui sont sur le point de terminer ou ont terminé leurs mémoires de fin d'études, en particulier ceux qui choisissent l'approche phénoménologique (enquêtes) ou comme certains l'appellent, l'approche d'investigation, c'est-à-dire les études qui utilisent le sondage d'opinion, à travers un questionnaire sur un échantillon de répondants.

               Cette tentative n'est rien d'autre qu’un ensemble d’observations de ce que nous avons constaté au contact des travaux scientifiques que nos étudiants réalisent dans le cadre de leurs travaux scientifiques, et même dans certains des articles scientifiques que nous avons référencés, et nous pouvons nous tromper sur certains d'entre elles, mais beaucoup de ces constats sont devenus une réalité négative dans les procédures que les études de sondage sont censées relater, il est important que nous les présentions ici à la discussion et que nous les corrigeons si possible.
               Les sciences de l’information et de la communication on encore grand besoin d'études exploratoires, au moins dans le volet public, qui est l'un des éléments les plus importants du processus média-communicatif.  Et même s'il existe de nombreuses méthodes qui peuvent le faire, l'enquête reste l'une des plus importantes et des plus crédibles de ces méthodes pour de nombreux chercheurs.
               
Cette tentative a deux objectifs, le premier est d'identifier les erreurs méthodologiques les plus importantes que commis nos chercheurs et étudiants, en se basant sur l'usage méthodologique et la littérature liée à ce type d’études, et c’est au chercheur à adapter les exigences de son étude d'enquête, aux objectifs et à la problématique de celle-ci.

مقدمة.

الدراسات الاستطلاعية في أبسط معانيها، هي تلك الأبحاث التي تستعين بأدوات تكميم ومعالجة البيانات الرقمية المجمعة وفق نماذج إحصائية 1، بمعنى آخر هي تقنية إمبريقية كمية تُستعمل فيها لغة الأرقام و الإحصائيات و المعدلات الرياضية و بعض القوانين الاحصائية، فهي بالتالي لا تخرج عن كونها أداة من أدوات جمع البيانات، يلجأ إليها الباحث عندما تكون هناك ندرة في المعلومات الخاصة ببحثه، أو قلة المعلومات و البيانات التي تؤهله لإجراء دراسته على أحسن وجه، على شاكلة السلوك و المواقف و الآراء .. ، أي أنها تُستعمل حين لا يوفر ميدان البحث رصيد معرفي من نظريات و قوانين، ما يجعل الباحث قادراً على تفسير الظواهر، و على هذا الأساس فهي تتطلب منه عرض هذه الاجراءات و الأساليب و توضيح كيفية اتباعها و طريقة استخدامها.

من خلال ما سبق، تريد هذه المحاولة طرح الإشكالية التالية:

ما هي الاختلالات الإجرائية المنهجية الحاصلة في الدراسات الاستطلاعية في العمل العلمي لطلابنا و باحثينا؟ و كيف يمكننا تفاديها؟.

لقد قلنا في البداية، أن محتوى هذه العُجالة، ما هي إلا مجموعة من النقائص التي لاحظناها في بعض الدراسات التي تستعين بتقنية استطلاع الرأي أو الجمهور أو الرأي العام، و هذه الملاحظات سوف تؤدي بنا لا محال إلى وضع علمي غير سوي، سواء كان ذلك من حيث التقنيات المُستعملة فيها – أي البحوث – أو فيما يخص مخرجاتها التي تكون حتماً غير موضوعية و لا يُؤخذ بها، فيُحرم المجتمع من تفاسير هو بأمس الحاجة إليها في مجريات الحياة الاجتماعية و الظواهر التي تنتجها.

نحن نعلم جيداً أن هناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها مقاربة الظواهر مقاربة إمبريقية، و نعلم أيضاً أن أشكال تنظيم البحوث الخاصة باستطلاعات الرأي كثيرة هي أيضاً، لكن الأصل واحد، أي أهدافها واحدة، و هي الوصول – قدر المُستطاع – إلى رسم صورة قريبة من حقيقة ما يدور في بال المستجوب من أشكال الرأي و السلوك و المواقف إزاء القضايا التي يعيشها.

تعريف الدراسات الاستطلاعية.

حتى و إن كان تركيزنا في هذا المقال على الدراسات الاستطلاعية الخاصة بتقنية بعينها (استطلاعات الرأي أو الاستبيان)، فإن تعريف الدراسات الاستطلاعية يتعدى هذا الإجراء المنهجي إلى اعتبار أن كل خطوة أولى في البحث العلمي تُعد دراسة استطلاعية، أي هي استكشاف توجهات البحث و الظروف التي ستجري فيها منذ البداية حتى تكون صحيحة و ملائمة، أي هي تمهيد تخميني للبحث يلجأ إليها الباحث، عندما يكون مقدار ما يعرفه عن الموضوع قليلاً جداً لا يؤهله لتصميم دراسة وصفية أو تحليلية أو أنواع أخرى من الدراسات،  و لهذا فإن الدراسة الاستطلاعية تفيد الباحث في زيادة معرفته لموضوع بحثه أو معرفة الظاهرة التي يريد التقرب منها، وذلك حتى يتسنى له دراستها بشكل أعمق.

أما من منظور الدراسات الإمبريقية – و خاصة في الدراسات الإعلامية الاتصالية – فالدراسات الاستطلاعية، تعني تلك الدراسات التي تستعين بتقنيات مختلفة المقاصد منها استطلاع الرأي أو رسم سلوك محدد أو تحديد مواقف معين .. مباشرة من منبعها أي الفرد محل الاستجواب.

علاقة الدراسات الإعلامية بالدراسات الاستطلاعية.

تعتمد الدراسات الاستطلاعية بالدرجة الأولى على الاستمارة الاستبيانية، و على هذا الأساس فهي كثيرة الاستعمال في مجال البحوث الإعلامية الاتصالية، بخاصة عند دراسة عنصر الجمهور أو المتلقي، أو على مستوى عنصر التأثير، أي عندما يريد الباحث معرفة رأي أو سلوك أو موقف مجموعة من الأفراد (عينة منهم) حول قضية معينة أو برنامج معين أو مضمون معين .. و تفيد هذه المعرفة في رسم طريقة بناء الاستراتيجيات اللازمة لإيجاد حلول موضوعية للمشكلة محل البحث.

إن علاقة الدراسات الإعلامية بالدراسات الاستطلاعية، علاقة أكيدة بدليل استعانة علم الإعلام منذ نشأته في ثلاثينات القرن الماضي، بأسس استطلاعات الرأي التي قام بها الرواد الأوائل في ميدان البحث الإعلامي، على شاكلة بول فليكس لازرسفيلد Paul Felix Lazasfiel، و إيليه كاتز Elihu Katz، و برنارد برلسون Bernard Berelson، و ريمون بودون Raymond Boudon و غيرهم، عندما أرادوا معرفة مدى تأثير مضامين وسائل الإعلام على متلقيها، و كذلك الاتصال الشخصي خاصة في وقت الانتخابات و الحملات التي تسبقها، و لازالت الدراسات الاستطلاعية كما يقول الأستاذ علي قسايسية "  هي المحرك الرئيسي للأبحاث المرتكزة أساساً على النظرة العددية لتحديد حجم الجمهور ووصف تركيبته في محاولة لمعرفة احتياجاته المادية والمعنوية والكشف عن اهتماماته و التطلع نحو العمل على إشباعها والاستجابة إليها، وفي الغالب التظاهر بذلك، سواء تعلق الأمر بالحملات الاشهارية أو الانتخابي" 2 ، و من ذلك أكسبها هذا الوضع، مكانة شائعة في بحوث الإعلام و الاتصال.

أما التكنولوجيات الحديثة للإعلام و الاتصال، كالمدونات و الويكي و منصات مشاركة الصور و مشاركة الفيديو، و الشبكات الاجتماعية، و علامات تداول المواقع و العوالم الافتراضية و التدوين المصغر، و الكثير من التكنولوجيات الأخرى، أنتحت متغيرات من نوع آخر و بمقادير أخرى، لكنها دائمة البحث عن توجهاتها من خلال المستخدمين (الجمهور) أو الزوار فيما يريدونه أو يتمنونه، أو من خلال سلوكاتهم الإفتراضية منها أو الواقعية،  و من هذا الوضع،  اكتسبت الدراسات الاستطلاعية نفس الأهمية التي كانت عليها في دراسات الإعلام التقليدي، و أصبحت من أكثر التقنيات البحثية استعمالاً أيضاً في مقاربة و دراسة و تحليل ظاهرة الإعلام الجديد.

حالة الدراسات الاستطلاعية في كلياتنا.

صحيح أن الكثير من الأعمال العلمية – سواء مذكرات الماستر أو الماجستير أو أطروحات الدكتوراه – في كلياتنا، تعتمد على الدراسات الاستطلاعية عن طريق أداة الاستبيان، إلا أنها لا تزال غير واضحة الأبعاد لدى الأغلبية منهم، ففي الكثير من الأحيان، تكون النتائج المحصل عليها من خلال اللجوء إلى هذا النوع من الدراسات، نتائج سطحية جافة وغير موضوعية نتيجة للأخطاء الإجرائية التي يقع فيها الباحث عند متابعته الخطوات اللازمة لإنجازها، فعند الاطلاع على تلك الأصناف من البحوث، يمكن اكتشاف مواطن الخلل التالية:

-  اختيار الكثير منهم، حجم ضعيف من وحدات العينة، و بخاصة تلك التي تُستخرج من مجتمعات بحث كبيرة، على شاكلة الشباب العاصمي، أو جمهور حصة تلفزيونية أو إذاعية معينة .. أي مجتمعات بحث يكون فيها العدد كبير جداً، فالكثير من الطلاب يختار 50 أو على أكثر تقدير 70 مفردة، وهذا خطأ في التمثيل، إذ في الكثير من الأحيان لا تُعبر تلك النسب عن التمثيل الموضوعي لمجتمع البحث، خاصة إذا علمنا أن تلك الأعداد تكون غالباً من أصدقاء و مقربين من الباحث حتى لا يُتعب نفسه في البحث عن أفراد عينته بعيداً.

صحيح أن إشكالية تحديد حجم العينة المقبولة، لم يُفصل فيها بعد لعدة اعتبارات، منها طبيعة مجتمع البحث (مجتمع معلوم أو مجهول)، و الإمكانيات المتوفرة للباحث، و طبيعة مؤسسة البحث .. لكن هناك اتفاق في المدارس المنهجية (الكندية و الأمريكية على وجه الخصوص) أن هناك دائماً عدد معقول من وحدات العينة يمكن أن يختاره الباحث مقارنة بحجم مجتمع البحث، و هو ما أُطلق عليه بالاختيار المعقول Un Choix raisonnable .

- اللجوء مباشرة وبدون أي تفحص إلى العينات غير الاحتمالية وبخاصة العينة القصدية أو العمدية، و نحن نعلم أن اللجوء إلى هذا النوع من العينات له شروط علمية و منهجية دقيقة وصارمة، تجعل الباحث لا يلجأ إليها إلى عند الضرورة العلمية القصوى، مما يجعل الكثير من البحوث المُنجزة في هذا الشأن، غير ذات منفعة علمية في التمثيل، في حين يتهرب الطلبة من العينات الاحتمالية رغم سهولة تطبيقها و دقة نتائجها، ظانين أنها صعبة التطبيق و لا ينالون تشجيع أساتذتهم على تطبيقها.

فشعار العمل بنظم العينات، هو: متى توفرت للباحث قاعدة بيانات خاصة بمجتمع بحثه، أي إذا كان مجتمع بحثه معلوم، فعليه العمل بإحدى أنواع العينات الاحتمالية، إلا في حالات نادرة جداً.

-  سوء اختيار المتغيرات (الجنس، السن، المستوى التعليمي، المهنة .. )، أو كما تُسمى في بعض الحالات بالبيانات الشخصية، ففي الكثير من الاستمارات نجد نفس المتغيرات أو نفس البيانات الشخصية برغم من اختلاف موضوع الاستمارة و موضوع البحث، و كأنه مُعطى منهجي ينبغي اتباعه في كل الاستمارات، فإذ سألت أحدهم عن الهدف من وضع هذا المتغير أو ذاك، فقد لا يجيبك أصلاً، أو أنه وضعه لأنه رأى الآخرين اعتمدوا عليه، إن هذا الوضع ما يزيد نتائج الدراسة إلا سوءاً.

إن العمل بالمتغيرات في الدراسات الاستطلاعية، غاية في الأهمية، لأن ما يجمعه الباحث من معلومات علمية عبر تحديده لعدد من المتغيرات، سوف ينعكس حتماً على طبيعة نتائج الدراسة ومصداقيتها، كما قد ينعكس أيضاً على أهمية البحث من خلال عدم القدرة على معالجة المتغيرات في الواقع.

وبحكم المنطق، فكلما زادت المتغيرات كلما زاد اتساع التحليل بجداوله و تفسيراته، فإذ أراد الباحث التركيز فقط على ما تحتاجه إشكاليته، فما عليه إلا أن يفكر جيداً في المتغيرات التي تخدم مباشرة أهداف الدراسة، و يتفادى تلك التي لا تفيد.

- الإلغاء غير المبرر لبعض الجداول البسيطة أو المركبة (في الدراسات الاستطلاعية)، بحجة أنها لا تخدم الموضوع، هذا الإجراء يجوز من الناحية المنهجية، لكن ليس على مستوى الماستر حيث يُعد الطالب متدرباً على الأدوات المنهجية، و ما زاد الطينة بلة، هو أن هذا الإلغاء يكون عند البعض بتوجيه من الأستاذ المشرف، فعوض أن يلقن الأستاذ المشرف تقنيات التعامل مع الاستمارة و الجداول المنبثقة عنها بكل صرامة و حزم، يقوم بإلغاء بعض الجداول للطالب بحجة أنها لا تنفع، و الأدهى هو أن الطالب لا يدري لماذا تم إلغاء هذا الجدول أو ذاك؟ حيث ليس في مقدوره تبرير ذلك علمياً.

إن إجراء الإلغاء لبعض أسئلة الاستمارة، أو بعض الجداول، له قواعده المنهجية المنظمة لذلك، و يسمى هذا الإجراء بالاختبار القبلي، أي أن يمتحن الباحث استمارته و محتواها من الأسئلة عبر اختبارها لدى عدد قليل من الأشخاص حتى ينظروا في الاختلالات التي يمكن أن تظهر فيها، و عندها يمكنه إلغاء الأسئلة التي قد لا تفيد قبل أن يخرجها في شكلها النهائي الضبوط.

-  أغرب ظاهرة انتشرت في أوساط الطلبة الذي هم في إطار إنجاز مذكراتهم، هي طريقة التعامل مع برنامج SPSS Statistical Package for the Social Sciences، أي الحزمة الإحصائية للعلوم الاجتماعية، و باعتبار أن أغلبيتهم لا يجيدون استعمال هذا البرنامج، فهم يلجؤون إلى خبراء البرمجيات  للقيام بتفريغ الاستمارة و استخراج الجداول، و إذا كان هذا الإجراء ليس عيباً في حد ذاته لعدم تكوين أغلبية طلبة الإعلام في هذا البرنامج، فإن العيب أن هؤلاء المختصين يقومون بالتعليق على الجداول و كأنهم هم أصحاب الدراسة، مع العلم أن هؤلاء قد لا يملكون أدنى مستوى علمي في التخصص، لقد حدثت لنا و نحن نناقش طالبة ماستر في مذكرتها من جانبها التطبيقي، أنها لم تكن قادرة على الإجابة عن أي سؤال طرحناه عليها، فستفسرنا الأمر و إذا بها لم تكن هي من أنجزت الإطار التطبيقي، بل موظف في محل الإنترنيت ليس له أي علاقة بعلم الإعلام و الاتصال، إن هذه الوضعية تُعبر بحق على عمق المشكل الأخلاقي الذي وصل إليه البعض من طلابنا.

إن متطلبات برنامج SPSS بالنسبة لبحوث الإعلام و الاتصال، بسيطة لا تتطلب تكوين عميق، نقول هذا الكلام من باب علاقته بما نحتاجه نحن في بحوث الإعلام و الاتصال و ليس للغاية التي أُنشأ من أجلها و الميادين التي يمكن أن يغطيها (علم الإحصاء، الديمغرافية، الرياضيات، تحليل البيانات ـ ..) أما نحن فما نريده من هذا البرنامج (على الأقل في بداية استعماله) لا يتعدى العمليات الحسابية و ترجمتها إلى جداول (البسيطة و المركبة)، و على هذا الأساس يمكن للطالب في بداية العام، التكوين فيه و نحن متأكدين أنه لا يأخذ وقت طويل و لا معارف كبيرة في البرمجيات، و هذا ما حدث لنا عندما علمنا أننا سوف نعمل بالاستمارة الاستبيانية في أطروحة الدكتوراه، فلم يأخذ تكويننا في  SPSS إلى 10 أيام على الأكثر، و كانت النتيجة جد مفيدة لنا و لعملنا العلمي.

-  احتواء بعض المذكرات على أشكال بيانية إلى جانب الجداول، و إن كان هذا الإجراء لا يضر بالبعد العلمي للمذكرة، إلا أنه ليس ذو فائدة كبيرة في الدراسات الإنسانية و الاجتماعية بصفة عامة و علوم الإعلام و الاتصال بصفة خاصة، فإذا كانت الجداول كافية لتفسير أوضاع بحثية معينة، فلا داعي من إضافة أشكال بيانية إلا عند الضرورة القصوى، ضف إلى ذلك أن الطالب عندنا، لا يذهب أبعد من عرض تلك الأشكال دون تفسيرها أو قراءتها قراءة علمية دقيقة.

-  سوء قراءة الجداول من طرف الكثير من الطلبة، إذ عند وصولهم لعرض الجداول (سواء كانت بسيطة أو مركبة) يقومون بقراءتها قراءة بسيط جداً لا تتعدى إعادة ما هو موجود في الجداول من أرقام و نسب، بالحروف و الجمل، لقد وصلت دراسة 3 قامت بها د. ليندة ضيف حول الأخطاء المنهجية في البحث العلمي في الإعلام و الاتصال، أن بعض الباحثين يجدون صعوبة كبيرة في تفسير نتائج دراستهم الكمية، لذلك يلجؤون إلى تبسيطها عن طريق قراءة النتائج بالشكل الموجودة عليه في الجداول، دون محاولة تفسيرها و تحليلها، و إعطائها أبعادها و دلالتها و نحن نتساءل ما لفائدة من ذلك؟، إن الغرض من قراءة الجداول من الناحية المنهجية، هو إبراز ما يثير الانتباه في الجدول، أعلى نسبة، أدنى نسبة، تقارب النسب الخ، فيقومون بتنبيه القارئ إلى تلك الحالات و يحاولوا إعطاءها تفسير عقلاني و موضوعي.

-  في الكثير من الأحيان، يجيب الطالب عن أسئلة لم تُطرح على المستجوب، خاصة الأسئلة المغلقة ذات الإجابة الواحدة  Questions à unique choix، التي يقترح فيها الباحث إجابات محدد، فنجده يطرح إجابات لا ندري من أين أتى بها؟، فمثلاً، تحمل الاستمارة السؤال التالي: هل تملك حاسوب محمول في المنزل؟ و يقترح عليه الباحث إجابتين: نعم أو لا؟، ثم إذا عدنا إلى الجدول الخاص بهذا السؤال، نجد الباحث يطرح إجابات لم يفصح عنها المستجوب، فيقول ربما يعود عدم امتلاك المستجوب إلى حاسوب محمول في منزله، إلى غلاءها، و نحن نسأل من أين جاء بهذه الإجابة و السؤال مغلق؟، أي لم يفصح المستجوب عن أسباب عدم امتلاكه لحاسوب محمول في منزله.

-   في بعض الأحيان، يعرض الباحث استمارته على أفراد غير معنيين بموضوعها، فمن المنطقي أن لا تكون إجابتهم صريحة و معبرة، فكيف نستجوب شخص حول رأيه في تغطية قناة معينة لظاهرة معينة، و هو لا يتابع برامج تلك القناة أصلاً؟ و كيف يمكننا الكشف عن صدق المبحوث من عدمه؟.

وقد يطرح البعض السؤال التالي: و أين يتدخل الباحث برأيه و موقفه و تفسيره للبيانات؟ في الحقيقة الرأي الشخصي في البحث العلمي، غير محبذ إلا بتبريرات منطقية مدعومة بحجج دامغة، و هذا قد يكون عندما يصل الباحث إلى تفسير الأرقام و النسب و البيانات الرقمية، تفسيراً كيفياً جاعلاً نتائج دراسته الكمية في سياقات اجتماعية و ثقافية و حضارية تعطي معنى لكل تلك الأرقام و النسب، و هذه العملية، هي عملية ابتكارية تظهر فيها قدرة الباحث على الابداع، فهذا الامر يرجع الى الباحث نفسه وخبرته ومدى تعمقه في مجال دراسته.

نحن ندرك جيداً أن الكثير من الملاحظات السابقة، لها ما يبررها في الواقع العملي للباحثين من عقبات و صعوبات تواجه الباحث و في بعض الأحيان تأثر حتى على مصداقية النتائج التي قد يصل إليها من خلال دراسته الاستطلاعية، فماعدا ما يتصل بحنكة الباحث و قدرته على تجاوز تلك العقبات و الصعوبات، فإن الأمر برمته مرهون بتلك الصفات، أي على الباحث محاولة تجاوز كل العقبات التي قد يصادفها أثناء إنجازه لدراسته الاستطلاعية،  و لا يجعل منها مبررات  للنقائص التي أتينا على بعضها سابقاً.

ولعل تماثل الأخطاء السابقة وتكررها كما يقول الأستاذ أحمد فلاق، " هو ما يزيد من مستوى الريبة من فاعلية التكوين في التخصص، خصوصا ما تعلق منه بالنشاط البحثي، الذي صار يفتقد الكثير من تلك الدقة والصرامة والجوانب الإبداعية التي يفترض توافرها، خصوصاً في المستويات المتقدمة من هذا التكوين  )مستوى الماستر والدكتوراه(. " 4.

إن الدراسات الاستطلاعية و عبر جزئها الإجرائي، عملية كبيرة و دقيقة و تخضع إلى شروط منهجية صارمة، هذا إذا أردنا الوصول إلى نتائج تُعبر بحق عن ما يجول في بال المستجوب من حقائق و آراء حول ظاهرة إعلامية معينة، فهي ليس عملية جمع أكبر عدد ممكن من المعلومات، أو عرض أكبر عدد من الجداول، بل أن الدراسات الاستطلاعية من حيث بعدها المنهجي، تشكل في حقيقة الأمر معبر فقط لمحاولة الوصول إلى فهم حقيقة الظاهرة و حقيقة أسباب ظهورها و المتغيرات التي تتحكم فيها، أي أنها الوسيلة و ليست الغاية، بمعنى أن طلابنا و باحثين يعتقدون خطأ، أن بعد عرض الجداول و قراءتها، ينتهي البحث لديهم.

وكملاحظة أخيرة، نحن تجنبنا الاستشهاد بأمثلة تحمل  الأخطاء السابقة الذكر من دراسات وأبحاث وفي مختلف الأطوار، حتى لا نضع أنفسنا أوصياء على الدراسات الاستطلاعية، فنحن أيضاً لا زلنا نكتشف إجراءاتها و تقنياتها من مختلف المشارب المنهجية، و كلما توغلنا فيها، نجد أنفسنا بعدين عن ما ينبغي أن يكون.

و الله من وراء القصد


الهوامش.

1 Raymond Robert Tremblay et Yvan Perrier, Savoir plus : outils et méthodes de travail intellectuel, Paris : Les Éditions de la Chenelière inc., 2006, P4.

2  علي قسايسية، المنطلقات النظرية و المنهجية لدراسات التلقي. أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في علوم الإعلام و الاتصال، جامعة الجزائر: كلية علوم الإعلام و الاتصال، 2007، ص 91.

3  ليندة ضيف، (المشكلات المنهجية في البحث العلمي في علوم الإعلام و الاتصال)، مجلة الإعلام والمجتمع، العدد 01، السنة 2019، ص 52.

4  أحمد فلاق، خالد لعلاوي، (إشكاليات منهجية في أطروحات الدكتوراه لعلوم الإعلام والاتصال بالجزائر). مجلة الاتصال والصحافة، العدد 08، السنة 2018، ص 93.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال