أهمية المعلومات في عملية صنع القرار السياسي

.دور المعلومات في صنع القرار

نقوم بإتخاد القرارات في كل لحظة من لاحظات حياتنا اليومية، سواء كانت تلك القرارات روتينية خاصة بحياتنا اليومية، أو كانت على مستوى آخر أكثر ارتباطاً بالآخرين أو بإنجازات .. فمها كان نوعها، فإن اتخاد القرار يرتبط أشد الارتباط بكمية المعلومات و دقتها.

 

المعلومات و عملية صنع القرار
عملية صنع القرار
أ د تمار يوسف

أصبحت عملية جمع المعلومات في عالمنا المعاصر، من أعقد وأصعب العمليات التي يتحتم على صانع القرار الاعتماد عليها في أداء مهامه الحكومية، وتعود صعوبة هذه المهمة إلى متغيرين أساسين: أولهما ضخامة المعلومات وتنوعها، ثانيهما أن صانع القرار السياسي بحاجة إلى كل أنواع المعلومات، التي تتعلق بميادين حكمه وهي كثيرة ومختلفة.

In our contemporary world, the process of collecting information has become one of the most complex and difficult operations that the decision-maker must rely on in performing his government duties. The fields of his rule are many and different.

القرار السياسي، هو مجمل الوظائف التي يقوم بها من هم في أعلى هرم السلطة السياسية، و التي من شأنها الحفاظ على ديمومة النظام من جهة، و توفير الاستقرار من جهة أخرى، و لكي يقوم صاحب السلطة بهذه الوظائف و على نطاق جغرافي و اجتماعي و اقتصادي .. واسع، يحتاج إلى معرفة على الأقل ما يدور فيها من قضايا و مشاكل تحتاج بدورها،  إلى قرارات للكف منها أو استمرارها أو تحسينها ..، و ذلك حسب طبيعة القضايا و مجالها.

يكاد يكون هناك اتفاق بين المختصين في الإعلام و المعلوماتية، أن المعلومات المُنتجة في الحقبة المعاصرة، أكثر مما أنتجه الفكر البشري منذ ظهوره (1)، نتيجة التداخل الكبير في مجالات الحياة العصرية، و تغيير نمط الحياة عبر مراحل تاريخية عديدة، صبغ كل منها طابع الإنتاج و مفهومه إلى أن وصلنا إلى ما يُسمى بنمط الإنتاج الخدماتي، كناية على أن عصرنا الحالي عصر المعلومات، فالمعرفة أصبحت من أهم مصادر القوة، و صار كسب العقول أهم من كسب الأراضي، و أصبحت السيطرة على المعلومات وسيلة لإثبات التفوق السياسي و الاقتصادي و العسكري .. (2) و لإستحالة دخول هذه المحاولة في أهمية المعلومات على مستوى كل مجالات الحياة على كثرتها، فإننا سوف نحاول التركيز على أهمية المعلومات لدى صانع القرار، فما هي المكانة التي تحتلها المعلومة في وظائف الحاكم ؟ و كيف يمكن التكيّف مع الكم المعلوماتي الضخم الذي تنتجه مختلف مجالات الحياة في حركيتها المستمرة؟.

يقول الدكتور حامد الربيع في وصفه لأهمية المعلومات بالنسبة للدولة و القائمين عليها " .. نظم المعلومات هو التعبير عن ما يمكن أن نسميه الجهاز العصبي للدولة، فالدولة هي كالجسد البشري تتكون من شريان و أوعية يسير فيها الدم الذي هو عصب الحياة ذهاباً و إياباً . هذه الأوعية هي نظم المعلومات و هذا الدم هو المعلومات التي تُغذي الجسد بالحياة و الوجود .." (3). و على هذا، فإن وجود الدولة و استقرار نظامها السياسي، مرتبط ارتباط مصيرياً بمدى توفر المعلومات لدى القائم عليها.

لابد أن تكون المعلومات متوفرة و و بالقدر الكاف، متوفرة لأن النظام السياسي، لا يمكنه أن يبقى مدة  و لو لمدة قصيرة - دون معلومات، و إلا يصعب عليه التكيف مع الأوضاع التي تتقدم إليه و إيجاد حلا لها، كثيرة، لأن النظام السياسي، ينبغي أن يكون على دراية بكل ما يدور في محيط نفوذه، سواء الداخلي أو الخارجي، و لا يعنى هذا في ذات الوقت، أن المعلومات عن المحيطين ذات طبيعة واحدة، بل أن المعلومات عن الداخل ( أي في حدود سلطة الدولة ) لا بد و أن تكون حول كل الأحداث مهما كانت طبيعتها، أي عن كل ما من شأنه خلق الاضطرابات داخل المجتمع الكلي، ليسمح لصانع القرار باتخاذ الإجراءات الكفيلة التي تجنبه أي حالة للاستقرار في الأوضاع السياسية، و إلا فسوف  يجد نفسه في نوع من العزلة السياسية عن رعاياه، و هذا أسوأ ما يمكن أن يُصيب الجسد السياسي، هناك رأي سائد يقول أن حسم الصراع الاجتماعي، مرتبط بمدخلات المعلومات، فإذا كان النظام متشبعاً بالمعلومات، فإن الفهم العام للقضية سوف ينمو داخل النظام، و إذا ما تحقق الفهم العام فمن المتوقع أن يحسم الخلاف (4) أما على المستوى الخارجي فهي كما يُقال، تبدأ بالمعلومات عن الصديق قبل العدو، و يؤكد حامد الربيع ذلك في مجال السياسية الخارجية قائلاً " عقد اتفاقية صلح مع دولة من الدول، مهما كانت ظروف السلم بين الدولتين مواتية أو ساخنة، لا يجوز أن يجعل أجهزة الأمن ترفع عن بصرها احتمالات تجديد العداوة .. " (5).

و قبل التقدم أكثر في تفاصيل الموضوع، ينبغي أولاً التفرقة بين عملية جمع المعلومات و فرزها، إذ في الحقيقة كلتا العمليتين متكاملتين و لكنهما لا تشكلان مستوى واحد عند التناول. فجمع المعلومات عملية ميكانيكية يمكن أن تُترك للوسائل الإلكترونية أو ما يدخل في فلكها، أو قد يُخصص لها أفراد  مزودين بمعارف تطبيقية أو نظرية عن الطرق الحديثة لجمع المعلومات. و رغم ذلك، فإن التهاون أو الحكم على معلومة على أنها غير مهمة في هذه المرحلة، هو من العبث السياسي و قد تنجر عنه عواقب وخيمة لدى صانع القرار. و الواقع ملئ بمثل هذه التصرفات، حتى على مستوى أجهزة المعلومات الأكثر تقدماً في العالم، فحين وقعت سلسلة الانفجارات في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر من عام 2001، وصلت  إلى البيت الأبيض، شهر قبل ذلك التاريخ، معلومات مفادها أن الولايات المتحدة سوف تشهد عمليات إرهابية خطيرة على أراضيها لكن هذه المعلومات لم تحظ بالاهتمام اللازمة و لم تُأخذ إجراءات الحماية المعمول بها في مثل هذه الحالات، فكانت الحصيلة ثقيلة و الخسائر كبيرة.

 أما عملية تصفية المعلومات، فهي ذات أهمية بالغة إلى درجة أنه من غير الجائز تركها إلى نفس الذين يقومون بجمعها، بل يجب أن تكون من اختصاص ذوي الشأن الأقرب لعملية صنع القرار السياسي،  و من يدخلون في فلكه من خبراء و مختصين. ذلك أن اختيار أهمية المعلــومة و خطورتها تحتــاج إلى بعد نظر في تفسيرها و استخدامها في حينها، للوصول إلى النتائج الأكثر تناسباً مع القرار المتّخذ. و لكي تكون للمعلومة مصداقية و أهمية في إطار صنع القرار، ينبغي التأكد من مصدرها و تحديد مكانتها في إطار السياسة العامة، و تقدير سرعة وصولها إلى من يجب أن تصل إليه. فالمعلومة الخاصة بانقلاب سعر البترول قد تؤدي إلى نتائج سلبية إذا لم تصل إلى من يعنيه الأمر في الوقت المناسب، و لو كان تأخرها لبضعة دقائق.

 تقدير قيمة المعلومة.

مشكل آخر قد ينتج عن سوء التعامل مع المعلومات، و هو تقدير قيمة المعلومة، فمهما كان التطور التكنولوجي لجمع المعلومات و التقدم الكبير الذي شهدته الوسائل الإلكترونية المسخرة لذلك، فإنها لا تستطيع أن تستخلف الإنسان في قياس قيمة المعلومة، لأن هذه العملية خاضعة لأبعاد نفسية،  مرتبطة بحاجات و تقديرات و احتمالات مستقبلية، أكثر من كونها عملية ميكانيكية.

 لذلك، فإن كانت الآلات الإلكترونية حوامل Supports هامة للمعلومات،  سريعة في تحضيرها و قياسها و جمعها، يبقى الإنسان هو الذي يقدر أهمية استعمالها و الوقت الذي ينبغي أن تُستعمل فيه. فالمعلومة مرتبطة بطبيعة القرار الذي يريد صاحبه اتخاذه، و الوقت المناسب لذلك، و البدائل التي قد تنجم عن عملية صنعه .. إلى غير ذلك من المتغيرات التي تدخل في هذا الإطار، و لقد صرح أحد مسئولي جهاز المخابرات المركزية الأمريكية CIA، أن لا حاجة لنا لكثرة المعلومات إذا لم تكن لدينا القدرة على تحليلها و تفسيرها و تقديرها .

لضمان فعّالية أداء أجهزة المعلومات، قام جورج يوش عندما كان مدير الاستعلامات المركزية عام 1976، بإنشاء فريق من الخبراء المحافظين (تحت اسم الفريق ب) أُسندت له مهمة تحليل نفس المعلومات، التي  يقوم بتقديمها الجهاز المركزي للمعلومات C.I.A،  الذي سُمي آنذاك بالفريق أ ، و بعد مدة أي في عام 1978 ، تأكد أن نتائج عمل الفريقين كانت جد متباينة، خاصة فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إزاء الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت، مما أدى إلى إعادة النظر في تنظيم مهمة تحليل  المعلومات و دراستها.

المعلومة الزائفة (أو الكاذبة) و المعلومة الصحيحة (أو الدقيقة)، من التقديرات التي  ينبغي على صانع القرار أخذها بعين الاعتبار. ذلك، أنها المحدد الرئيسي لكل العملية، فإن كانت خاطئة أو ناقصة، فمن المحتمل جداً أن تخلق خللاً في تقدير الموقف و بناء القرار الصائب حولها، فمعلومة خاطئة حول الأحوال الجوية المرتقبة، قد تكون السبب في حدوث كارثة جوية، أو المعلومة الخاطئة التي تقول أن عدد المنخرطين في الحزب الفلاني (معارض) لا يتعدى بعض الآلاف، معظمهم من الفئة الاجتماعية الفلانية، و منحصرين في منطقة جغرافية معينة، قد تُسيء إلى تقدير صانع القرار لتوجهات هذا الحزب. فتقدير صحة المعلومة ليس بالأمر الهين، ذلك أن بعض المعلومات و على كثرتها، لا تتعلق بحدث قار يمكن التأكد منه، بل تتعلق بموقف مبني على أفكار مرتبطة بشكل منطقي، قد يكون مقبولاً عند معاينتها، ثم يتضح بعد أخذ القرار، أنها غير ذلك تماماً، فقد صرح كولن باول كاتب الدولة للخارجية للولايات المتحدة سابقاً، أن قرار الحرب على العراق، كان مبني على معلومات غير مؤكدة 100 %، و أنه ليس لدينا معلومات دقيقة عن وجود أسلحة الدمار الشامل في هذا البلد، و كانت عواقبه أن خلق استياء كبير لدى الرأي العام الأمريكي حول ضرورة هذه الحرب، خاصة و أن الجيش الأمريكي كان يشهد موتي في صفوفه كل يوم في العراق، فالتأكّد من هذا النوع من المعلومات، يخضع للموازنة المنطقية و طرح كل الاحتمالات التي يمكن أن تلغيها، فإذا لا يمكن إلغاءها فهي على الأرجح صحيحة، وهذا  يتطلب قدر كافي من المهارات و الأساليب و الأدوات لاستعمالها في حينها، لأن الإطالة في التأكد من بعض المعلومات التي لا تقبل الانتظار، قد تأثر سلباً على عملية توظيفها في أي قرار، و هذا يرجعنا إلى ما يتوفر لدى صانع القرار من إمكانيات مادية و بشرية تعمل تحت تصرفه و في كل حين.

مصادر المعلومات لدى صانع القرار.

       مصدر المعلومة جزء من قيمتها، حقيقة لا يمكن إغفالها عند تقييم أهمية المعلومة، و إذا كانت مصادر المعلومات التي تصل إلى صانع القرار، كثيرة و متشعبة و متداخلة، فإن تصنيفها  أي المصادر يزيد من صعوبة العملية، لأن كثير ة هي أيضاً، حيث نجد تصنيفات عدة تكاد تكون بعدد الأنظمة التي يتعامل معها و في إطارها صانع القرار ، بل و تصنيفات أخرى مرتبطة بطبيعة الأنظمة السياسية و تعاملها في هذا المجال.

       لكن هذه الصعوبات، لا يجب أن تقف عائقاً أمام محاولة إيجاد تصنيف، لا يرتبط بأجهزة جمع المعلومات، بقدر ما يرتبط بوظائف القطاعات التي  يتفاعل معها النظام السياسي، بمعنى آخر قد  نجد مراكز تقوم بجمع و معالجة المعلومات التي تصل إلى صانع القرار، لكنها تقوم بذلك في إطار من الوظائف الأخرى لها، كما سنرى ذلك لاحقاً.

أولى محاولات تصنيف مصادر المعلومات، تجرنا إلى تقسيمها إلى مصادر رسمية و أخرى غير رسمية :

المصادر الرسمية:  على كثرتها هي أيضاً، يمكن أن تُصنف  إلى عدة أصناف تبعاً للمتغيرات التي أتينا عليها سابقاً، و لتبسيط هذا التصنيف، يمكن القول أن الدولة كمفهوم اجتماعي، هي نتيجة تفاعل عدة قطاعات و وظائف و بُنى، و على هذا، فهي تتعامل مع أنظمة كثيرة و مختلفة، كل منها يعمل في اتجاه واحد و هو استقرار النظام و ديمومته، من هذا المنظور يعتمد صانع القرار على مجموعة من الأنظمة تعمل على تزويده بالمعلومات اللازمة لأداء وظائفه على أكمل وجه، و يدخل في هذا الإطار أجهزت  المخابرات بكل فروعها الداخلية و الخارجية، و بكل اختصاصاتها الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية .. فهذه الأجهزة هي عبارة (باختلاف وظائفها و تسميتها في مختلف الأنظمة السياسية و الدول )، عن أجهزة تعمل تحت سلطة الدولة و في خدمتها، تقوم عادة بجمع و تحليل و تفسير المعلومات من مختلف المحيطات التي تعمل في إطارها السلطة السياسية.

       أجهزة رسمية أخرى تعمل في إطار توفير المعلومات لدى صانع القرار، و هي القوى النظامية التي تعمل على استقرار النظام و حفظ الأمن، من مثل جهاز الشرطة، و المؤسسة العسكرية، و الجمارك و بعض التنظيمات الأخرى المتواجدة في بعض الدول، مثل الوكالة الوطنية للاستعلامات بالولايات المتحدة الأمريكية  NSA  National Security Agency، ، فعلى مثل هذه الوكالات الرسمية، يعتمد صانع القرار، إذ هي العيون التي يرى بها ما يجري حوله، و لعل أهميتها تكمن في المبالغ الضخمة التي تُصرف من أجلها، فباختلاف النظم السياسية، تستحوذ هذه الوكالات على القسط الكبير من ميزانية الدولة، فعلى سبيل المثال خصص مبلغ 57.5 مليون دولار عام 2018كميزانية لوكالة المخابرات المركزية CIA، و ما يزيد عن 35 مليون دولار سنوياً للوكالة الوطنية للاستعلامات NSA ، فتوفلر مثلا يرى  " أن المبالغ التي كانت تصرفها الولايات المتحدة سنوياً على التجسس، وصلت إلى 30 مليار دولار "(6) طبعاً هذه الأرقام تبقى نسبية لأن الإعلان عنها، يُعد من الأسرار التي ينبغي إخفاءها،  فقد تكون مبالغ أكبر من ذلك إذ علمنا أن هذه الوكالات تنشط في معظم أنحاء العالم، الشيء الذي يتطلب أموال ضخمة لذلك، هذه الأرقام تدل على أهمية المعلومات و أولويتها على أي نشاط آخر و عليها تُبنى السياسات. أما أوروبا، فقد ارتفع إنفاقها على البرامج و الخدمات المتعلقة بتقنية المعلومات بنسبة تسعة بالمائة 09 %، حيث وصل إلى أربعة و سبعين 74 مليار دولار (7).

المصادر غير الرسمية : مثل هذه المصادر غير واضحة المعالم، و يكتنفها الغموض التام لما لها من حساسية لصورة صانع القرار و أمن النظام، فقد يعتمد هذا الأخير على مصادر غير مشروعة و غير قانونية،  بل و غير أخلاقية في بعض الأحيان، لذلك يحرص صاحب السلطة على عدم كشف أوراقه بخصوص مصادر معلوماته مع أكثر أصدقائه تعاوناً.

المصادر الأخرى: يدخل في هذا الإطار، تلك الجهات التي لا تعمل في وظيفتها على تقديم المعلومات لصانع القرار بل على نشرها للرأي العام، و تأتي على رأس هذه المصادر وسائل الإعلام الجماهيرية، التي تُعد بحق من أكثر مصادر جمع المعلومات و نشرها، لما لها من خصوصيات لا نجدها في مراكز أو قطاعات أخرى، فهي قادرة على مخاطبة مجمع كبير من الأفراد في آن واحدة حتى و لو كان هؤلاء منتشرين في مناطق جغرافية متباعدة، لكن الاعتماد عليها لتزويد صانع القرار بالمعلومات اللازمة، يتوقف على عدة متغيرات، أولها طبيعة تلك الوسائل، ففي حين نجدها  " حرة "  في بعض الأنظمة، لها مصادرها الخاصة في جمع المعلومات، و حول كل القطاعات التي تثير انتباه الرأي العام، قد لا نجدها كذلك في بعض الأنظمة الأخرى، حيث تشكل أداة من الأدوات السياسية للنظام السياسي، و عليه فهي قد لا تؤدي وظيفتها في إبراز المعلومات التي يحتاجها الرأي العام بقدر ما تعكس المعلومات التي يريدها صانع القرار أن تصل إلى الرأي العام، فقد شاهدنا في عدة مناسبات رؤساء الهيئة التنفيذية في بعض الأنظمة " المفتوحة " يعتمدون على ما يُنشر في الصحافة أو يُبث في التلفزيون أو يُذاع في الراديو في اتخاذ قراراتهم، و هنا يمكن القول أن وسائل الإعلام الجماهيرية تُعد لدى هؤلاء مصدر هام من مصادر المعلومات، خاصة إذ كانت هذه الوسائل محاطة بكل ما يحدث على المستوى الداخلي و حتى على المستوى الخارجي.

أهمية التكنولوجية الحديثة في عمل صانع القرار.

أدى التطور التكنولوجي الهائل لوسائل الاتصال و الإعلام الآلي، إلى تغيير عميق في نظرتنا إلى أهمية المعلومات، ففي العصور الغابرة، كانت المعلومات الخاصة بالبلدان المتباعدة و الاختراعات العلمية التي تظهر فيها، بطيئة الانتشار و في غالب الأحيان بشكل ناقص، أما اليوم فإننا نتعرض كل يوم إلى سيل هائل من المعلومات و في كل الميادين و بسرعة فائقة و على أعلى درجة من الدقة.

لم يعد أحد يخشى، و  منذ زمن بعيد، أن يعوض الحاسوب l’ordinateur  ، المهام الأساسية لأي مسؤول،  لكن، بإمكان لإعلام الآلي الرمزي، الذي يعرف باسم  الذكاء الاصطناعي L’intelligence artificielle ، أن يساعد صانع  القرار في الكثير مما يحتاجه في اتخاذ قراراته، فما يعرضه هذا النوع من التكنولوجية من برامج Logicielles ، لها القدرة على ربط بين المعلومات المتوفرة بأفضل السيناريوهات الممكنة في اتخذ القرار، فنظرية الألعاب مثلاً، تدخل في هذا الإطار، حيث تقوم بعض البرامج ببناء تصور لما يمكن أن يكون عليه قرار ما في الواقع، و قد تصل هذه البرامج إلى حد تصور النتائج المحتملة لذلك القرار، و عليه يجب أن نعترف بأهمية استعمال التكنولوجية الحديثة و ما يمكن أن تقدمه في إطار تحسين أداء الحاكم، علاوة على الأداء السريع في إنجاز عملية الفرز و التصفيف و الترتيب، التي يمكن أن تقوم بها هذه التكنولوجية.

شيئاً فشيئاً احتلت، التكنولوجيا الحديثة و البرامج التي تستعملها في توفير المعلومات، مكانة جد مهمة إلى درجة  أن الاستغناء عنها شيء غير معقول في إدارة الحكم، حتى بعض الأجهزة التي كانت تعتمد على الأشخاص في القيام بجمع المعلومات، بدأت تختفي لتستبدل بأجهزة قادرة على القيام بتلك المهام بشكل أسرع و بحجم أكبر و في نطاقات أوسع و بتكاليف أضعف، إذ لا ننسى أن الأقمار الصناعة التي تغزو الفضاء و التي يُقال عن عددها أنه وصل مؤخراً إلى ما يزيد عن 8000 قمر صناعي،(8) مهيأة أصلاً لجمع المعلومات و التجسس، و حتى تلك المخصصة للقطاع الخاص، لا تخرج عن تلك المهمة، و الأمثلة على استعمالها كثيرة جداً في العشرية الأخيرة، كالمعلومات التي وفرتها الأقمار الصناعة للولايات المتحدة عام 1986 عن تواجد مقر  الرئيس الليبي و مسكنه، أو المعلومات التي وصلت للقيادة العسكرية الأمريكية عن بعض المنشآت العسكرية أثناء حرب الخليج الثانية .. إذ أصبحت تلك الوسائل العيون التي يمكن أن ترى في كل مكان و تلتقط أي معلومات أينما وجدت.

لقد ولى العهد الذي كانت المعلومة مرهونة بالساعي الذي يحملها، و ولى عهد كسرى الذي كان يقطع رأس حامل الرسالة التي لا ترضيه، و ولى أيضاً عهد ألكسندر الكبير الذي علم أن الحكم في روما قد تغير بعد سنة من تغييره حيث كان موجود في نقاط بعيدة عن روما ..كل هذه المواقف غير معقولة في عصر الافتراضي، غير معقولة أيضاً لأنها تتم عبر أسلاك كهربائية بل و عبر الهواء، فلا حواجز و لا أشخاص يحملونها، و هي قادرة على قطع آلاف الكيلومترات في لحظة أو اقل، دون أن يراها أحد أو يدرك حركتها أحد، فالحو اسب الحديثة تستطيع التعامل مع أكثر من ألف معلومة في الثانية، و استخراجها يتطلب الضغط على زر فقط.

مجمل القول، أن عملية صنع القرار السياسي، لا تستقر على حال إلا بالتعامل المنطقي الجاد مع المعلومات، و أن التغيير الذي أصبح أسرع من ما كان عليه في الماضي، يطرح على القائمين على الدول، التكييف مع سرعة هذا التغيير، و لا يكون ذلك إلا باستحداث أنماط معلوماتية مرنة قادرة على التأقلم مع مختلف الأوضاع، كما يجب من جهة أخرى الاستثمار أكثر في المعلومات و ما تحتاجه من أجهزة، لأنها سلعة أثبتت أهميتها عبر الزمن، حتى و لو لم  يكن مردودها مباشر، فهي تجلب أموال ضخمة على أصعدة كثيرة، فالمعلومات الاقتصادية مثلاً قد توفر فرص كبير في مردودة أنشطة كثيرة جداً، فيا صانع القرار لا تتأخر في إعادة النظر في نظام المعلومات لديك، و لا تبخل في الاستثمار فيها، فكل لحظة تمر دون أن تدري ما حدث فيها ( في الداخل أو الخارج ) فهي محسوبة عليك و لصالح عدوك.

و الله ولي التوفيق

الهوامش
(1)  محمد محمد الهادي، تكنولوجيا المعلومات و تطبيقها، القاهرة : الشروق : 1989، ص 22.
(2)  نبيل علي، ( تكنولوجيا المعلومات وتحطيم الثنائيات ) العربي، العدد 476، 1998، ص 28.
(3) حامد الربيع، (نظم المعلومات و عملية صنع القرار القومي) مجلة الدراسات و البحوث العربية، العدد 11، السنة 1982، ص 34.
(4)  بسيوني إبراهيم جمادة، دور وسائل الاتصال في صنع القرار في الوطن العربي، بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية، 1993،ص 114.
(5)  حامد الربيع، (نظم المعلومات و عملية صنع القرار القومي)، مرجع سبق ذكره، ص 34.
(6) Alvin et Heidi, Toffler, Guerre et contre guerre, Survivre à l’aube du XXIé siècle Paris: Fayard, 1994, P 219.
(7)  محمد لعقاب، مجتمع الإعلام و المعلومات، ماهيته و خصائصه، الجزائر : دار هومة، 2003، ص 81.
(8)   عبد الرحمان الغلاييني، القمر الصناع العربي و دوره في دعم التعاون بين الدول العربية، الكويت : مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 1984، ص 36.

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال